ــــــــــــ السلام على الشيب الخضيب ... السلام على الخد التريب ... السلام على البدن السليب ... السلام على الثغر المقروع بالقضيب ... السلام على الرأس المرفوع ... السلام على الأجسام العارية في الفلوات ... السلام على المرمّل بالدماء ... السلام على المهتوك الخباء ... السلام على خامس أصحاب الكساء ... السلام على غريب الغرباه ... السلام على شهيد الشهداء ... السلام على قتيل الأدعياء ... السلام على ساكن كربلاء ... السلام على من بكته ملائكة السماء >>> يا حسين يا حسين ياحسين يا عطشان يا عطشان ياعطشان ......... إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك ، ولا انا براج غير رضوانك إلهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي ، ...................آه إن انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته ، ويرحمه الملا اذا اذن فيه بالنداء ، ....................آه .. من نار تنضج الاكباد والكلى ...................آه .. من نار نزاعة للشوى ................آه .. من غمرة من ملهبات لظى

الأحد، 14 ديسمبر 2008

حافظ القرآن بإعجاز من بقية الله

حافظ القرآن بإعجاز من بقية الله

إذا أراد المرء أن يتخلق بأخلاق الامام بقية الله (ارواحنا فداه) ، فيكون قريباً منه مرتبطاً به ، و مستريحاً من شر الشيطان و النفس الأمارة .. فعليه – بلا شك – أن يعنى بتهذيب نفسه و يحافظ على اخلاص نيته ، كما قال الشاعر :
فان ترد صحبته وحده فانفض يداً من كل شيئ سواه

و على أقل تقدير ينبغي له أن يعمل بما يعلم – خالصاً لوجه الله (تعالى ) ، فقد جاء في الخبر:
( من عمل بما علّمه الله .. علم ما لم يعلم ) . و صاحب التقوى – في الواقع – هو من يتعلم للعمل ، فلا يغفل في هذه المرحلة عن أدنى تكليف .. و يتسم بالدقة في أداء وظائفه.
و في المرحلة اللاحقة عليه أن يخلص دينه لله ، فلا يقوم بعمل بدون خلوص في النية .

و عندئذ .. يصبح الانسان موضع عناية من الامام بقية الله (روحي و أرواح العالمين له الفداء).
و في هذا الصدد ثمة واقعة عجيبة .. أرويها للقراء الأعزاء :(السيد حسن الأبطحي)
في سنة ( 1332 هـ ش ) كنت حديث العهد بالحوزة العلمية في قم . و لهذا أقمت مدة خمسة عشر يوماً هناك في دار آية الله الشيخ محمد الرازي قبل ترتيب مسألة سكناي . و في هذه المدة كان في دار الشيخ الرازي ضيف آخر ، اسمه : كربلائي محمد كاظم كريمي.

في وقتها كانت لي علاقة ما بحركة (فدائيان اسلام) ، و بقائدها المرحوم حجة الإسلام سيد مجتبى نواب صفوي – على الخصوص.

و قد لاحظت أن المرحوم نواب صفوي و الشيخ الرازي يعاملان كربلائي محمد كاظم بكثير من الاحترام .. لا لأنه رجل عالم ، و لا لأنه ذو نفوذ و منزلة ، و لا لأنه ثري له شأن . و انما – وهذا الدافع الوحيد- لأنه حظي بأن يصبح موضع عناية من الامام بقية الله (روحي له الفداء) ، فوهبه الامام (عليه السلام) ثروة معنوية عظمى . وما ذاك إلا لأن هذا الرجل كان قد عمل بما يعلم من أحكام الاسلام .

و هذه الثروة التي فاز بها هي أنه أمسى – في لحظة واحدة – حافظاً القرآن كله عن ظهر قلب . و علاوة على هذا .. فإن حفظه لم يكن كسائر الحفظ ، ذلك أنه ( عليه السلام ) قد أودع في حافظة هذا الرجل خواص كل آية و كل سورة ، ومالها من المزايا.

و خلال الخمسة عشر يوماً هذه التي عاشرته فيها .. شهدت منه عدة وقائع ، أذكرها هنا للقراء ليعلموا أن هذا الحفظ للقرآن ما كان شيئاً عادياً . فلو أن شخصاً يمتاز بحافظة مرهفة لما استطاع – في مئة سنة – أن يبلغ ما بلغه كربلائي محمد كاظم ! و جدير بالذكر هنا أن هذا الرجل كان قليل الحفظ ، ضعيف الاستعداد ، بسيط .. بحيث أني تعمدت – و باصرار كثير – خلال الأيام الخمسة عشر أن يحفظ اسمي مع لقبي .. ليكون في حافظته مع مخزونها من القرآن الكريم .. و لكنه لم يستطع ذلك إلا في الأيام الأخيرة ، و بعد جهد جهيد .

أتمنى لو كنتم قد رأيتموه بقلة حفظه و بساطته و ضعف استعداده .. و أذن لرأيتم كم هي معجزة عجيبة مسألة حفظه القرآن . على أنه لم يكن قد حفظ القرآن على النمط المألوف ، فالحوادث التي سيأتي ذكرها – و التي حدثت بحضور العلماء و المراجع – تدل على أن هذا الحفظ لم يتحقق على نحو عادي أبداً . و أضرب مثلاً على ذلك .. ما فعله يوماً المرحوم حجة الاسلام سيد عبدالحسين الواحدي ( أحد كبار حركة فدائيان اسلام ) فأنه جهد خلال أيام أن يختار من بضع سور قرآنية كلمات متفرقة ، جعلها في سياق واحد و كأنها آية متكاملة و عندما قرأ جمعه أمام بعض العلماء لم يشك أحد في أنه كان يقرأ شيئاً من القرآن . و لكن ( كربلائي محمد كاظم ) كان الوحيد الذي اعترض عليه قائلاً : هذه الكلمة من السورة الفلانية ، و تلك من السورة الفلانية الأخرى .. حتى شخـّّص حوالي عشرين كلمة ، و نسب كلاً منها إلى مواضعها من سورها المحددة .. و كان يتلو ما قبل كل كلمة و ما بعدها من عبارات السورة المحددة .. و كان يتلو ما قبل كل كلمة و ما بعدها من عبارات السورة . و قال له أيضاً : و أضفت حرف (الواو) من عندك عدة مرات لتصل بين الكلمات ، من أجل أن تختبرني ! حذ هذا بمحضر طائفة من العلماء الذين راقهم ما رأوه من كربلائي كاظم و استحسنوه ، حتى أن أحد كبار العلماء نهض من مكانه و قبل يده .

في أحد تلك الأيام أردت أن اعرّفه لرجل ، فقلت لهذا الرجل : أنه يحفظ القرآن كله .. كما نحفظ نحن سورة ( الفاتحة ) .
فالتفت إلى كربلائي كاظم قائلاً : أتعني أنك تحفظ سورة ( الفاتحة ) حفظاً جيداً ؟ !
قلت : بلا شك ؛ فأنا أقرؤها في الفرائض كل يوم عشر مرات في الأقل .

فقال لي : أذن .. ما هي الكلمة التي تتوسط سورة (الفاتحة ) ؟
أردت أن احسب الكلمات لأتعرف على وسط السورة لكنه ابتدرني قائلاً : كلا ، قل هكذا .. بدون أن تحسب .
قلت : لا أدري . فقال : الكلمة التي في وسط سورة (الحمد ) هي كلمة ((نستعين)) قبلها اثنتا عشرة كلمة ، و بعدها اثنتنا عشرة كلمة . وهي واقعة بين هذه الأثنتي عشرة و بين هذه الأخرى.

و من خلال اختبارات عديدة .. عرفت أنه يعرف كلمات القرآن كلها على هذه الشاكلة . و متى ما سألته عن موقع الكلمة الفلانية في ترتيب كلمات القرآن .. فانه يجيب على الفور و بدون أدنى تأخير ، كأن يقول : هذه الكلمة الألف و مئة و احدى و عشرين في ترتيب كلمات القرآن . و كذا كان شأنه في معرفة تسلسل الآيات . و حتى إذا اردت معرفة عدد الحروف ، أو مرات تكرر لفظة ما في القرآن ... فأنه يجيبك بلا تردد.

قلت له يوماً : ان (فلاناً ) عليه دين كثير ، وقد طلب مني أن أدعو له بأداء دينه ..فإذا كان لديك شيئ يفيده في هذا المعنى فقل لي ، أوصله إليه.

قال : أنا لا أعرف شيئاً غير القرآن . فإذا رغبت فإني أعطيه من القرآن ما يفيده في أداء قرضه .. بشرط ألا تخبر أحداً غيره ، و ألا يخبر هو شخصاً آخر ، و ألا فانه يفقد أثره . أجبته إلى ما اشترط ، فقال : قل له يقرأ هذه الأية الشريفة كذا عدد .. لمدة عشرة أيام ، و هي قوله (تعالى) : و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب ، و من يتوكل على الله فهو حسبه أن الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شيئ قدرا.
أخبرت الرجل بما ذكره كربلائي كاظم ، فعمل به ، و في اليوم العاشر استطاع سداد القرض الذي عليه – و قد كان مبلغاً كبيراً ، لا يدري كيف يفي به .

احدى خصائصه التي حيرت الجميع – و ربما كانت أكثر شيئ امتحن به و اختبر – هي أنك إذا وضعت في يده أية نسخة من المصحف الشريف .. حتى لو كانت نسخة خطية عائدة إلى شخص بعينه ، ثم طلبت منه أن يستخرج آية معينة .. فانه – و بدون أن يقلب أوراق المصحف – يفتح المصحف لتجد الآية المقصودة في إحدى الصفحتين اللتين ظهرتا عند فتح المصحف ، فيشير أمامك إلى الآية ببنانه .

و أعجب من هذا أنه إذا أعطي كتاباً عربياً ، مثل (المكاسب) أو ( شرح اللمعة الدمشقية) – و فيهما آيات قليلة جداً و لم تكتب بحروف متميزة – ثم طلب إليه أن يميز الآيات الموجودة على الصفحات .. فانه يدلـّك – من فوره – على تلكم الآيات ، حتى لو كانت قصيرة ، قائلاً : هذه العبارة من الآية الفلانية في السورة الفلانية.

في أحد الأيام ..كنت أقرا في كتاب عربي ، فأشار إلى كلمة في السطور ، و قال : هذه الكلمة من القرآن . خلت – في البدء – أنه غير قادر على أن يحدد كون هذه الكلمة العربية من القرآن ، أم انها كلمة عربية من غير القرآن . و على سبيل المثال .. فإن كلمة (كفروا) قد تكون قرآنية أو لا تكون كذلك . و لكني وجدت – و أدهشني هذا – أن الكتاب المشار إليه كان يتحدث عن هذه الكلمة من القرآن .. من الوجهة اللغوية.
عندئذ سألته : كيف تعلم هذا ؟
فاجاب : حين أفتح كتاباً يحتوي على آيات قرآنية .. فإن الكلمات و الآيات القرآنية تتلألأ أما عيني نوراً ، فأشير إليها باصبعي مباشرة .
كان يختم القرآن الكريم مرة في كل يوم و ليلة . أي أنه كان يقرأ كل جزء من القرآن في خمس عشرة دقيقة .
و أغرب من هذا أنه كان بوسعه أن يقرأ آيات و القرآن و سوره من الآخر إلى البدء .. بنفس هذه السرعة .

و لإدراك أهمية هذه المسألة ، جرب أن تقرأ سورة ( التوحيد) من آخرها إلى بدئها .. ( أحد كفواً له يكن و لم يولد و لم يلد لم الصمد الله احد الله هو قل ) !

أن إيراد هذه الوقائع التي كانت شاهداً لها ، كما شهدها مئات العلماء – و منهم مراجع كبار كالمرحوم آية الله العظمى البروجردي ، و آية الله العظمى السيد محسن الحكيم – لربما يرسم ملامح صورة ما عن حالة حافظ القرآن : كربلائي محمد كاظم . و مع هذا كله فـ ( ليس الخبر كالمعاينة ) ، و ما راءٍ كمن سمعا ) !

و على أي حال .. فلو كان قدر لك أن ترى هذا الرجل عن قرب لأيقنت أن حفظه القرآن الكريم لم يكن من الطور المألوف في حفظ الحفاظ . و لربما كنت قد استعنت به – كما استعان المرحوم آية الله العظمى البروجردي – لتصحيح بعض القراءات القرآنية المدونة بها المصحف . و أدنى ما يستفيده المرء من معاشرة هذا الرجل أن تتأكد لك – لدى معاينة هذه المعجزة العجيبة – عظمة فعل الله (جل جلاله ) ، و عظمة دينه الحق و قرآنه المجيد.

أجل .. أن لهذه الحالة ينبوعاً صدرت منه .. فما هو هذا الينبوع ؟

روى لي المرحوم كربلائي محمد كاظم أصل الواقعة التي جرت له ، فقال :
في أيام المحرم ... قدِم إلى قريتنا (ساروق) الواقعة في ضواحي مدينة (أراك) واعظ للارشاد ، كان يرتقي المنبر في الليل للموعظة و التبليغ . أيامها كنت شاباً أجد في داخلي رغبة لتعلم المعارف و الأحكام الإسلامية .. فكنت أقصد مجلس لأستمع إليه.

و في أحد الليالي .. تحدث عن مسألة (الخًُمس ) و ( الزكاة ) . و كان فيما قال : لو أن أحداً لا يدفع ما عليه من الخُمس .. فإن صلاته غير صحيحة ؛ ذلك لأن خمس المال غير المخمّس أنما هو للسادة و لامام الزمان (عليه السلام) . و من الجائز أن تكون ثيابك التي ترتديها ، و دارك التي تسكنها .. قد اشتريتها بأموال غير مخمّسة .

أي : قد اشتريتها بأموال خُمسها يخص السادة و امام الزمان (عليه السلام) .. فتكون – بهذا – قد تصرّفت بها غاصباً لها . و ظل هذا الواعظ يتحدث تلك الليلة عن أمور من هذا القبيل.

و كنت قبلها قد عزمت – بيني و بين نفسي – أن أعمل بكل ما أتعرف عليه من أحكام الدين و أتعلمه . من حينها شرعت أتساءل عن واقع أموال مالك الأراضي التي نعمل فيها في قريتنا . و بعد تتبع يسير علمت أنه لا يدفع ما عليه من الخمس و الزكاة . في البداية ذكـّرته بهذه المسألة فلم يعرني أذناً صاغية . فكان أن قـرّرت ألا أظل في القرية ، و لا أعمل لحساب مالك الأراضي ، و أن أوّلي وجهي إلى مكان آخر . و لم يوافق أهلي و أقاربي – و خاصة أبي – على هذا القرار . و لكني لم أذعن لأحد ؛ خشية من الله . و في احدى الليالي خرجت فارّاً من القرية في الظلام .

و في قرية مجاورة .. اشتغلت – تمشية لأمور المعيشة – عاملاً و حطاباً .. لمدة ثلاث سنوات تقريباً ..و حدث في أحد الأيام أن عرف مالك الأراضي المذكور مكان عملي الجديد .. فأرسل إلى من يخبرني بأنه قد تاب إلى الله ، و أنه بدأ يدفع ما هو مستحق عليه من الخمس و الزكاة . و أوصى لي : أنه يود لو أعود إلى القرية لأكون إلى جوار أبي . عندها رضيت أن أعود إلى القرية . و هناك أعطاني المالك قطعة أرض ، رحت أزرعها و أعمل فيها نصف نهار كل يوم . أما غلة الزرع .. فكنت أقسم نصفها بين فقراء القرية ، و أعمد إلى إعانة كثير من المحتاجين و المعوزين .. و أود لو أكون دائماً في عون ذوي الفاقة و المحرومين.

كان يوماً صائفاً ذلك اليوم الذي خرجت فيه إلى المزرعة ، لأفصل التبن عن حب القمح . كنت أنتظر هبوب ريح مواتية ، لأقوم بالتذرية . أنتظرت طويلاً .. و لكن ما ثمة نسمة هواء. لقد كان الجو ساكناً تماماً . عندها قفلت راجعاً إلى القرية و في الطريق لقيني أحد فقراء القرية فقال لي : هذه السنة ما أعطيتني شيئاً من محصولك .. أنسيتـني ؟! قلت : كلا – لا قدر الله .. أنا لا أنسى الفقراء . و لكني لم أجمع المحصول حتى الآن . و أطمئنّ إلى أن حقك محفوظ.

سـُر الرجل ، و مضى تلقاء القرية .. بيد أن قلبي لم يقر له قرار ، فعدت من فوري إلى المزرعة ، و جمعت – بعناء كثير – مقداراً من القمح ، وحملته لهذا الرجل الفقير .. كما حملت معي كمية من العلف لأغنامي . كان الوقت على مشارف العصر لما حملت القمح و العلف ، و سرت نحو القرية.

و قبل أن أبلغ القرية وصلت إلى مزار أحد أبناء الأئمة . و هو المزار المعروف باسم – الأثنين و السبعين شخصاً – و قد دفن فيه أثنان من أبناء الأئمة (عليهم السلام) هما : جعفر و صالح . و جانب من هذا المزار يقال له : (الأربعون فتاة ).

جلست للاستراحة عند عتبة المزار ، و وضعت القمح و العلف جانباً.. و رحت أنظر إلى المدى البعيد . في ذلك الوقت لفت نظري رجلان شابان يتقدمات صوبي . أحدهما ذو قامة ممشوقة رائعة و له هيبة عجيبة و جلال . كانا يرتديان ثياباً عربية .. و قد أعتمر كل منهما عمامة خضراء . ثم لما وصلا إلى – و لم أكن قد رأيتهما من قبل – ناداني الرجل الجميل المهيب باسمي ، قائلاً : كربلائي كاظم .. تعال نذهب لنقرأ (الفاتحة) لابن الامام هذا . قلت له : يا سيد .. ذهبت إلى زيارته قبل قليل . و علىّ أن أعود الآن ، لأوصل العلف إلى الدار.

قال : حسناً جداً .. ضع هذا العلف إلى جوار الحائط ، و تعال معنا نقرأ ( الفاتحة) . طاوعته و مضيت إلى جهة السيد الثاني .. و تبعتها فدخلت المزار . في ذلك الوقت وجدتهما يقرءان شيئاً لم أتبينه . فبقيت واقفاً بمحاذاة الضريح صامتاً . لكني فوجئت إذ وقع نظري على كتيبة رأيتها في أطراف السقف . كانت ثمة كلمات من نور ! التفت إليّ الرجل الجليل المهيب و قال : كربلائي كاظم .. ما بالك لا تقرأ؟
قلت : يا سيد .. أنا لم أذهب إلى الملا. (1) لا أعرف القراءة و الكتابة .
فقال : و لكن عليك أن تقرأ . ثم دنا منـّي ، و وضع يده على صدري و ضغط عليه بقـوّة و قال : اقرأ الآن . قلت : ماذا أقرأ فقال : أقرأ هكذا :
(( بسم الله الرحمن الرحيم . إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرض يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ، و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ، ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين)

قرأت بقراءة هذا الرجل ، و قرأت بقرأءته أيضاً بعدها أ ٌخر. و كان ما يزال واضعاً يده على صدري .. حتى بلغت آخر الآية التاسعة و الخمسين ، حيث تختتم بهذه العبارة : ( أني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ).

عندها أردت أن أقول لهذا الرجل شيئاً ، فحولت وجهي إليه .. لكني لم أجد أحداً ، ولم أر أثراً لهذا الرجل الذي كان واضعاً يده على صدري إلى آخر لحظة . أما الكتيبة التي كانت في السقف .. فقد توارت كذلك .

لحظتها .. داخلني هول عجيب ، لم اشعر بعده بما جرى . إذ وقعت على الأرض فاقد الوعي.
كان الوقت مقارباً لطلوع الفجر لمّا أفقت . الفضاء ما يزال في ظلمته . لقد أنـُسيت

________________________
1- الملا : أي معلّم الصّبيان و يراد به في الاصطلاح : المكتب الذي كان الأولاد و البنات في الأجيال الماضية يتعلمون فيه مبادئ القراءة و الكتابة و قراءة القرآن الكريم . (المترجم)
2- سورة الأعراف : 54


تماماً ما كان حدث لي أمس . بقيت عدة دقائق كمن يستيقظ من النوم و لا يدري أين هو ! تطلعت حولي ، و أنا أحسّ بتعب شديد في بدني . وحين فطنت إلى أني كنت نائماً عند المزار أخذت أعنـّف نفسي و أوبـّخها : أما وراءك شغل و عمل ؟! ماذا تصنع هنا ؟!

و مهما يكن .. فقد نهضت و خرجت من المزار . ثم حملت العلف على كتفي . و في الطريق تنبهت إلى أني أعرف كلمات عربية كثيرة . و على حين غـّرة تذكرت ما حدث لي أمس ، و كيف كنت مع ذلك السيد الجليل المهيب .. فتملكني – مرة أخرى – فزع و رعب . و لكني مضيت هذه المرة حتى أنتهيت إلى البيت .

و في البيت طفق أهلي يعنـّفوني قائلين : أين كنت من أمس إلى الآن ؟! أين كنت في الليل ؟! و لكني لم أنطق بحرف ، و وضعت العلف أمام الأغنام . و حين طرّ الصباح حملت القمح إلى دار ذلك الرجل الفقير و سلمته أياه . ثم خففت مباشرة إلى إمام جماعة القرية الشيخ صابر الأراكي ، وقصصت عليه ما جرى لي من أوله إلى آخره . فقال لي امام الجماعة :اقرأ ما تعرف، فقرأت . فقال : هذه آيات قرآنية ! و ظل يختبر حفظي ساعات ، فكنت أجيب عن كل ما أراد . بعدها بدأ خبري يذيع شيئاً فشيئاً بين أهل القرية ، و أنا عاكف على عملي في الزراعة و تدبير شؤون المزرعة .. حتى كان يوم ذهبت فيه إلى قرية (شهاب) الواقعة قرب (ملاير) لانجاز عمل لي هناك . و في قرية (شهاب أبلغ أهاليها بخبري السيد اسماعيل العلوي البروجردي الذي كان من علماء (ملاير ) .. فجاء السيد اسماعيل لرؤيتي ، و اصطحبني – بعد الحاح منه و الحاف – إلى (ملاير) . وهناك حكى قضيتي بمحضر عدد شخصيات (ملاير ) ، فكانوا يختبروني في حفظ القرآن ، و قد تملكهم العجب . ثم كان رأي علماء (ملاير ) أن يشيعوا خبري في إيران كلها ، ليرى الناس كيف يمنّ الامام صاحب الزمان ( عليه السلام) على رجل أدّى واجباته باخلاص.

عـّرفوني- أول ما عـّرفوني – على آية الله العظمي السيد البروجردي .. فكان يمتحن حفظي مرات و مرات ، حتى أطمأن إلى أن امام العصر ( عليه السلام) قد جاد على حقاً بلطفه و منـّته .

و قابلت رجال الحوزة العلمية و كافة علماء قم الكبار ، فأقرّوا بهذه الحقيقة . ثم أخذني عدة من التجار ( وقد نسيت أسماءهم ) إلى النجف الأشرف و كربلاء المقدسة بهدف لقاء علمائها .. و صحبني في سفري هذه عدة أشخاص . و في النجف و كربلاء التقيت بالعلماء و المراجع هناك . و لا يحضرني الآن من أسمائهم غير اسم آية الله العظمى السيد الميلاني – الذي كان آنذاك في كربلاء .. و غير أسم آية الله العظمى السيد الحكيم في النجف ، فعاملوني بكثير من المودة . و كلـّهم قد أقر باعجاز الامام وليّ الأمر (أرواحنا فداه) و لمّا عدت إلى إيران .. أهتمّت بي جماعة (فدائيان اسلام)
و ها أنا ما أزال في قم أتحدث إليك . هذا هو مختصر قضيتي .

حكى لي كربلائي كاظم هذا كله .. فشكرت له ذلك . و كنت قد دونت قضيته إلى هذا الحد . و قد وفقت اليوم لأرويها للقــّراء الأعـّزاء .

ليست هناك تعليقات: