ــــــــــــ السلام على الشيب الخضيب ... السلام على الخد التريب ... السلام على البدن السليب ... السلام على الثغر المقروع بالقضيب ... السلام على الرأس المرفوع ... السلام على الأجسام العارية في الفلوات ... السلام على المرمّل بالدماء ... السلام على المهتوك الخباء ... السلام على خامس أصحاب الكساء ... السلام على غريب الغرباه ... السلام على شهيد الشهداء ... السلام على قتيل الأدعياء ... السلام على ساكن كربلاء ... السلام على من بكته ملائكة السماء >>> يا حسين يا حسين ياحسين يا عطشان يا عطشان ياعطشان ......... إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك ، ولا انا براج غير رضوانك إلهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي ، ...................آه إن انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته ، ويرحمه الملا اذا اذن فيه بالنداء ، ....................آه .. من نار تنضج الاكباد والكلى ...................آه .. من نار نزاعة للشوى ................آه .. من غمرة من ملهبات لظى

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

وصية الإمام الكاظم لهشان بن الحكم

وصية الكاظم (ع) لهشام بن الحكم وصفته للعقل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا هشام !.. إنّ لقمان قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس ، يا بني !.. إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالمٌ كثيرٌ ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وجسرها الإيمان ، وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر ....
يا هشام !.. لو كان في يدك جوزةٌ وقال الناس : لؤلؤةٌ ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزةٌ ، ولو كان في يدك لؤلؤةٌ وقال الناس : أنّها جوزةٌ ، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤةٌ !....
يا هشام !.. مَن سلّط ثلاثاّ على ثلاث ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله : مَن أظلم نور فكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه .
يا هشام !.. كيف يزكو عند الله عملك ؟.. وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربّك ، وأطعت هواك على غلبة عقلك .
يا هشام !.. الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمَن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند ربّه ، وكان أنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه في غير عشيرة ....
يا هشام !.. إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيءٌ من الدنيا يغنيك.
يا هشام !.. إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا ، فكيف الذنوب ؟.. وترك الدنيا من الفضل ، وترك الذنوب من الفرض....
يا هشام !.. لاتمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
يا هشام !.. كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا....
يا هشام !.. رحم الله مَن استحيا من الله حق الحياء : فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم أنّ الجنّة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات....
يا هشام !.. اصلح أيامك الذي هو أمامك ، فانظر أي يوم هو ؟.. وأعد له الجواب فإنك موقوفٌ ومسؤولٌ ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإنّ الدهر طويلةٌ قصيرةٌ ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك ، واعقل عن الله ، وانظر في تصرف الدهر وأحواله ، فإنّ ما هو آتٍ من الدنيا كما ولّى منها فاعتبر بها .
وقال علي بن الحسين (ع) : إنّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها بحرها وبرها وسهلها وجبلها ، عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ، ثم قال : أو لا حرٌّ يدع هذه اللماظة ( أي البقية القليلة ) لأهلها ؟.. يعني الدنيا ، فليس لأنفسكم ثمنٌ إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس.
يا هشام !.. إنّ كل الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها إلا مَن يعرف مجاريها ومنازلها ، وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ، ولكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها.
يا هشام !.. إنّ المسيح (ع) قال للحواريين : يا عبيد السوء !.. يهوّلكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومؤنة مراقيها ، وتنسون طيب ثمرها ومرافقتها ، كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده ، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها .
يا عبيد السوء !.. نقّوا القمح وطيّبوه ، وادقّوا طحنه تجدوا طعمه ، ويهنّئكم أكله ، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته ، وينفعكم غبّه .
بحق أقول لكم : لو وجدتم سراجا يتوقّد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه ، كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ، ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها .
يا عبيد الدنيا !.. بحق أقول لكم : لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون ، فلا تنظروا بالتوبة غدا ، فإنّ دون غد يوماً وليلةً ، وقضاء الله فيهما يغدو ويروح .
بحق أقول لكم : إنّ مَن ليس عليه دَين من الناس أروح وأقلّ هماً ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء ، وكذلك مَن لم يعمل الخطيئة أروح وأقلّ هماً ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب ، وإنّ صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس يحقّرها لكم ويصغّرها في أعينكم ، فتجتمع وتكثر فتحيط بكم .
بحق أقول لكم : إنّ الناس في الحكمة رجلان : فرجلٌ أتقنها بقوله وصدّقها بفعله ، ورجلٌ أتقنها بقوله وضيّعها بسوء فعله ، فشتان بينهما ، فطوبى للعلماء بالفعل ، وويلٌ للعلماء بالقول .
يا عبيد السوء !.. اتخذوا مساجد ربكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم ، واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى ، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات ، إنَّ أجزعكم عند البلاء لأشدكم حباً للدنيا ، وإنّ أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا .
يا عبيد السوء !.. لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة ، ولا بالثعالب الخادعة ، ولا بالذئاب الغادرة ، ولا بالأُسد العاتية ، كما تفعل بالفراس كذلك تفعلون بالناس فريقا تخطفون ، وفريقا تخدعون ، وفريقا تقدرون بهم .
بحق أقول لكم : لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا وباطنه فاسداً كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم ، وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة ، ولا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيّب ويمسك النخالة ، كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغلّ في صدروكم .
يا عبيد الدنيا !.. إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه .
يا بني إسرائيل !.. زاحموا العلماء في مجالسهم ولوجثْواً على الركب ، فإنّ الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر.
يا هشام !.. مكتوبٌ في الإنجيل : طوبى للمتراحمين !.. أولئك هم المرحومون يوم القيامة ، طوبى للمصلحين بين الناس !.. أولئك هم المقرّبون يوم القيامة ، طوبى للمطهّرة قلوبهم !.. أولئك هم المتّقون يوم القيامة ، طوبى للمتواضعين في الدنيا !.. أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة....
يا هشام !.. تعلّم من العلم ما جهلت ، وعلّم الجاهل مما علمت ، وعظّم العالم لعلمه ودع منازعته ، وصغّر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قرّبه وعلّمه.
يا هشام !.. إنّ كلّ نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيّئة تؤاخذ بها ، وقال أمير المؤمنين (ع) : إنّ لله عبادا كسرت قلوبهم خشيته ، وأسكتتهم عن النطق وإنهم لفصحاء عقلاء ، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية ، لا يستكثرون له الكثير ، ولا يرضون له من أنفسهم بالقليل ، يرون في أنفسهم أنهم أشرار ، وإنهم لأكياس وأبرار....
يا هشام !.. المتكلمون ثلاثة : فرابحٌ ، وسالمٌ ، وشاجبٌ :فأما الرابح فالذاكر لله ، وأما السالم فالساكت ، وأما الشاجب ( أي الهالك ) فالذي يخوض في الباطل ، إنّ الله حرّم الجنة على كلّ فاحشٍ بذيّ قليل الحياء ، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه ، وكان أبو ذر - رضي الله عنه - يقول : يا مبتغي العلم !.. إنّ هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شرّ ، فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك....
يا هشام !.. قال الله جلّ وعزّ : وعزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي في مكاني ، لا يؤثر عبدٌ هواي على هواه إلا جعلت الغنى في نفسه ، وهمّه في آخرته ، وكففت عليه ضيعته ، وضمنت السماوات والأرض رزقه ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر....
يا هشام !.. إنّ مَثَل الدنيا مَثَل الحية : مسها لين ، وفي جوفها السمّ القاتل ، يحذرها الرجال ذووا العقول ، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
يا هشام !.. اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله ، فإنما الدنيا ساعةٌ فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزناً ، وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها ، فكأنك قد اغتبطت ( أي إن صبرت فعن قريب تصير مغبوطاً في الأخرة ).
يا هشام !.. مَثَل الدنيا مَثَل ماء البحر ، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله....
يا هشام !.. ليس منا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل حسناً استزاد منه ، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه.
يا هشام !.. تمثلت الدنيا للمسيح (ع) في صورة امرأة زرقاء ، فقال لها : كم تزوجت ؟.. فقالت : كثيراً ، قال : فكلٌّ طلقّك ؟.. قالت : لا ، بل كلاًّ قتلت !.. قال المسيح : فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين ؟....
يا هشام !.. إنّ الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبّر الجبّار ، لأنّ الله جعل التواضع آلة العقل ، وجعل التكبّر من آلة الجهل ، ألم تعلم أنّ مَن شمخ إلى السقف برأسه شجّه ؟.. ومَن خفض رأسه استظلّ تحته وأكنّه ( أي حفظه ) ؟.. فكذلك مَن لم يتواضع لله خفضه الله ، ومَن تواضع لله رفعه.
يا هشام !.. ما أقبح الفقر بعد الغنى ، وأقبح الخطيئة بعد النسك ، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته....
يا هشام !..قال رسول الله (ص) : إذا رأيتم المؤمن صموتاً فادنوا منه فإنه يلقّى الحكمة ، والمؤمن قليل الكلام كثير العمل ، والمنافق كثير الكلام قليل العمل.
يا هشام !.. أوحى الله إلى داود : قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدّهم عن ذكري ، وعن طريق محبتي ومناجاتي ، أولئك قطّاع الطريق من عبادي ، إن أدنى ما أنا صانعٌ بهم أن أنزع حلاوة عبادتي ومناجاتي من قلوبهم....
يا هشام !.. أوحى الله إلى داود : حذّر وأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات ، فإنّ المعلّقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبةٌ عني.
يا هشام !.. إياك والكبر على أوليائي ، والإستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك ، وكن في الدنيا كساكن الدار ليست له ، إنما ينتظر الرحيل....
يا هشام !.. إياك ومخالطة الناس والأنس بهم ، إلا أن تجد منهم عاقلاً مأموناً فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية .
وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً أن يستحيي من الله ، إذ تفرّد له بالنعم أن يشارك في عمله أحداً غيره ، وإذا حزبك أمران لا تدري أيهما خيرٌ وأصوب ، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه ، فإنّ كثير الثواب في مخالفة هواك ، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة .
قال هشام : فقلت له : فإن وجدت رجلاً طالباً غير أنّ عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه ؟.. قال : فتلطّف له في النصيحة ، فإن ضاق قلبه فلا تعرضنّ نفسك للفتنة .
واحذر ردّ المتكبرين ، فإنّ العلم يدل على أن يحمل على من لا يفيق ، قلت : فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها ؟.. قال فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم فتنة القول وعظيم فتنة الرد .
واعلم أنّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ، ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده ، ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ، ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده ، ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم ، ولكن فرّحهم بقدر رأفته ورحمته ، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد إلى مَن يؤذيه بأوليائه ؟..
فكيف بمَن يُؤذى فيه ؟.. وما ظنك بالتوّاب الرحيم الذي يتوب على مَن يعاديه ؟.. فكيف بمَن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه.
يا هشام !.. مَن أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه ، وما أُوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله بعداً ، وازداد الله عليه غضباً.
يا هشام !.. إنّ العاقل اللبيب مَن ترك ما لا طاقة له به ، وأكثر الصواب في خلاف الهوى .. ومَن طال أمله ساء عمله....
قال هشام : فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة ؟.. قال (ع) :
أقربهم إليك ، وأعداهم لك ، وأضرهم بك ، وأعظمهم لك عداوة ، وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك ، ومن يحرّض أعداءك عليك ، وهو إبليس الموكّل بوسواس القلوب ، فله فلتشدّ عداوتك ، ولا يكوننّ أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته ، فإنه أضعف منك ركناً في قوته ، وأقلّ منك ضرراً في كثرة شره إذا أنت اعتصمت بالله ، ومَن اعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم....
يا هشام !.. احذر هذه الدنيا واحذر أهلها فإنّ الناس فيها على أربعة أصناف : رجلٌ متردّ معانقٌ لهواه .. ومتعلّمٌ متقرّئٌ ، كلما ازداد علماً ازداد كبراً ، يستعلن بقراءته وعلمه على مَن هو دونه .. وعابدٌ جاهلٌ يستصغر مَن هو دونه في عبادته ، يحب أن يُعظَّم ويُوقَّر .. وذو بصيرةٍ عالمٌ عارفٌ بطريق الحقّ يحب القيام به فهو عاجزٌ أو مغلوبٌ ، ولا يقدر على القيام بما يعرف ، فهو محزونٌ مغمومٌ بذلك ، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا....

الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

ولادة الإمام الرضا عليه السلام



ولادة الإمام علي الرضا(عليه السلام)


اسمه ونسبه(عليه السلام)

الإمام علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

كنيته(عليه السلام)

أبو الحسن، أبو علي... .

ألقابه(عليه السلام)

الرضا، الصابر، الرضي، الوفي، الفاضل... وأشهرها الرضا.

تاريخ ولادته(عليه السلام) ومكانها

11 ذو القعدة 148ﻫ، المدينة المنوّرة.

أُمّه(عليه السلام) وزوجته

أُمّه السيّدة تكتم، وهي جارية، وزوجته السيّدة سُكينة المرسية، وقيل: الخَيزران أُمّ الإمام محمّد الجواد(عليه السلام)، وهي أيضاً جارية.

مدّة عمره(عليه السلام) وإمامته

عمره 55 سنة، وإمامته 20 سنة.

حكّام عصره(عليه السلام) في سني إمامته

هارون الرشيد، محمّد الأمين ابن هارون الرشيد، عبد الله المأمون ابن هارون الرشيد.

المراسيم الشرعية

أخذ الإمام الكاظم(عليه السلام) وليده المبارك وقد لُفّ في خرقة بيضاء، وأجرى عليه المراسيم الشرعية، فأذّن في أُذنِه اليمنى وأقام في اليسرى، ودعا بماء الفُرات فحنّكه به، ثمّ ردّه إلى أُمّه، وقال(عليه السلام) لها: «خُذِيه، فَإِنّهُ بَقِيةَ اللهِ فِي أرضِهِ»

سيرته(عليه السلام)

روي في كتب السيرة عن سيرته المباركة الشيء الكثير، فمنها أنّه ما جفا أحداً بكلام قطّ، ولا قطع على أحدٍ كلامه حتّى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجةٍ قدر عليها، ولا مدّ رجليه بين يدي جليسٍ له قطّ، ولا اتّكأ بين يدي جليسٍ له قطّ، ولم يسمع منه أحد في يومٍ ما أنّه شتم أحداً من مواليه أو مماليكه.

كان ضحكه التبسّم، وإذا جلس عند المائدة أجلس مواليه ومماليكه معه، حتّى البوّاب معه والسائس، وكان قليل النوم كثير العبادة، كثير الصوم في الأيّام، وكثيراً ما يتصدّق بالسرّ.

علمه(عليه السلام)

فهو وارث علم النبوّة والإمامة، وهو الحافل بالعلم اللدنّي، لذا شهد له موافقوه ومخالفوه بذلك، حتّى أنّ محمّد بن عيسى اليقطيني قال: «لمّا اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، جمعت من مسائله ممّا سُئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة»

جمع الخليفة المأمون يوماً علماء سائر الملل والأديان ليسألوا الإمام(عليه السلام) عمّا استعصى عليهم، فكان منه ما كان من الردّ عليهم وإفحامهم.

تواضعه(عليه السلام)

روي عنه(عليه السلام) أنّه لمّا سافر إلى خراسان دعا ـ وهو في الطريق ـ بمائدةٍ له، فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقال له بعض أصحابه: جُعلت فداك، لو عزلت لهؤلاء مائدة؟

فقال(عليه السلام): «مه! إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد، والأُمّ واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال»

كرمه(عليه السلام)

روي في كرمه(عليه السلام) وسخائه الكثير، منها أنّه: مرّ به رجل فقال له: أعطني قدر مروءتك؟ فقال(عليه السلام): «لا يسعني ذلك»، فقال: على قدر مروءتي، قال(عليه السلام): «إذاً فنعم». ثمّ قال: «يا غلام، أعطه مائتي دينار».

من وصاياه(عليه السلام)

1ـ قال(عليه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ يبغض القيل والقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال»

2ـ قال(عليه السلام): «التودّد إلى الناس نصف العقل».

3ـ قال(عليه السلام): «صديق كلّ امرىءٍ عقله، وعدوّه جهله».

4ـ قال(عليه السلام): «ليس لبخيلٍ راحة، ولا لحسودٍ لذّة، ولا لملولٍ وفاء، ولا لكذوبٍ مروءة»

الخميس، 29 أبريل 2010

أحاديث في مقام الزهراء (ع)


أحاديث في مقام الزهراء ( عليها السلام ) ومنزلتها
عند الله وعند الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )



الاحاديث في هذا الباب كثيرة ، حتى أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة ، وقد انتخبت من تلك الاحاديث هذه الاحاديث التي سأقرؤها ، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها :
________________________________________


الحديث الاول :


« فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة » ، أو « سيّدة نساء هذه الاُمّة » ، أو « سيّدة نساء المؤمنين » ، أو « سيّدة نساء العالمين ».
هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في : صحيح البخاري
في كتاب بدء الخلق ، وفي مسند أحمد ، وفي الخصائص للنسائي ، وفي مسند أبي داود الطيالسي ، وفي صحيح مسلم في باب فضائل الزهراء ، وفي المستدرك وصحيح الترمذي ، وفي صحيح ابن ماجة ، وغيرها من الكتب
ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الاوّلين والاخرين.



الحديث الثاني :


في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي :
« فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني ».
هذا الحديث بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، وعدّة من المصادر.
« فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها ».
بهذا اللفظ في : صحيح البخاري ، ومسند أحمد ، وصحيح أبي داود ، وصحيح مسلم ، وغيرها من المصادر.
« إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ».
بهذا اللفظ في : صحيح مسلم.
« إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها ».
بهذا اللفظ في : مسند أحمد وفي المستدرك وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وفي صحيح الترمذي.
« فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها ».
بهذا اللفظ في : المسند ، وفي المستدرك وقال : صحيح الاسناد ، وفي مصادر أُخرى.


________________________________________

الحديث الثالث :


« إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ».
هذا الحديث تجدونه في : المستدرك ، وفي الاصابة ، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم ، ورواه غيرهم


________________________________________


الحديث الرابع :


في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
هذا كان عند وفاته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإنّه دعاها فسارّها فبكت ، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت [ في بعض الالفاظ : فشقّ ذلك على عائشة أن يكون سارّها دونها ] فلمّا قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حلّفتها عائشة أنْ تخبرها ، فقالت : سارّني رسول الله أو سارّني النبي ، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ.
هذا الحديث في : الصحيحين ، وعند الترمذي والحاكم ، وغيرهما.

________________________________________



الحديث الخامس :


هذا الحديث تجدونه في : المستدرك وقال : صحيح على عن عائشة قالت : ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.


شرط الشيخين ، وأقرّه الذهبي ، وفي الاستيعاب ، وفي حلية الاولياء.


الحديث السادس :


عن عائشة أيضاً : كانت إذا دخلت عليه ـ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.
قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، وأقرّه الذهبي أيضاً.

________________________________________

الحديث السابع :


أخرج الطبراني أنّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعلي : « فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها ».
قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح

الثلاثاء، 27 أبريل 2010

الخطبه الفدكيه

خطبة الزهراء عليها السلام
((ــــــ الــــفـــــــــــدكـــــــــــــــــيه ـــــــ ))

روى عبدالله بنُ الحسن عليه السلام بإسناده عن آبائه عليهم السلام أنَّه لَمّا أجْمَعَ الأول عَلى مَنْعِ فاطمةَ عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى الأول وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ عليها السلام:

" الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَْوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَْشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.

وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.

فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.

ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ وَإيثارٍ بمحمد صلى الله عليه وآله عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت: أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.

فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}.

ثُمَّ قالت: أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْغَلُما أفْعَلُ شَطَطاً: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم} فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}.

فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، {كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ}، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ.

فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.

فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}.

فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ، أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ السْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا، وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنِّى ابْنَتُهُ.

أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَ اُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ الْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي لارَحِمَ بَيْنَنَا! أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولًونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، وَلَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً. تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَ الزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ ما تَخْسِرُونَ، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}

ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نَحْوَ الْأَنْصارِ فَقالَتْ: يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله أبِي يَقُولُ: ((اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ))؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ!

أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: {وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ}.

أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ {ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.

أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، {فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ألا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا، وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ. فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ}

الثلاثاء، 13 أبريل 2010

الدجال

الــــــــــــدجـــــــــــــــــــــــال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روي في (الانوار النعمانية) عن الصدوق باسناده الى رسول الله -صلى الله عليه وآله- قال انه صلى ذات يوم باصحابه الفجر ثم قام باصحابه حتى اتى باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت اليه امرأة فقالت : ما تريد يا ابا القاسم ؟
فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله-: يا ام عبد الله استاذني لي على عبد الله
فقالت : يا ابا القاسم وما تصنع بعبد الله ؟ فو الله انه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه وانه يراودني على الامر العظيم .
فقال : استاذني عليه .
فقالت : افي ذمتك ؟
قال : نعم .
قالت : ادخل . فدخل فاذا هو في قطيفة له يهيم فيها .
فقالت امه : اسكت واجلس هذا محمد قد اتاك . فسكت وجلس .
فقال النبي -صلى الله عليه وآله- ما لها لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم أهو هو
ثم قال النبي -صلى الله عليه وآله-: ما ترى ؟
قال : ارى حقاً وباطلاً وارى عرشاً على الماء .
فقال : اشهد ان لا اله الا الله واني محمد رسول الله .
فقال : بل تشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله . فما جعلك الله بذلك احق مني .
فلما كان في اليوم الثاني صلى باصحابه ثم نهض ونهضوا القوم معه حتى طرق الباب .
فقالت امه : ادخل .
فدخل فاذا هو في نخلة يغرد فيها .
فقالت له امه : اسكت وانزل هذا محمد قد اتاك . فسكت .
فقال النبي -صلى الله عليه وآله- : ما لها لعنها الله لو تركني لاخبرتكم أهو هو ؟؟
فلما كان في اليوم الثالث صلى باصحابه الفجر ثم نهض ونهض القوم معه حتى اتى ذلك المكان فاذا هو في غنم له ينعق بها .
فقالت له امه: اسكت واجلس هذا محمد قد اتاك .
فسكت وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها عليهم النبي في صلاة الغداة .
ثم قال : تشهد ان لا اله الا الله واني محمد رسول الله .
قال : بل تشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله وما جعلك بذلك احق مني ؟
فقال النبي -صلى الله عليه وآله- : اني قد خبات لك خباء فما هو ؟
فقال : الدخ ، الدخ .
فقال النبي : اخس انك لن تعدو اجلك ولن تبلغ املك ولن تنال الا ما قدر لك .
ثم قال لاصحابه : ايها الناس ما بعث الله نبياً الا انذر قومه الدجال وان الله عز وجل أخره الى يومكم هذا فما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس باعور انه يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبر ونهر من ماء اكثر اتباعه اليهود والنساء والاعراب يدخل آفاق الارض كلها إلا مكة ولابيتها والمدينة ولابيتها .
اقول : روى هذا الحديث في (إكمال الدين وإتمام النعمة) وهو في الدجال وهو الذي يخرج عند قيام صاحب الزمان -عليه السلام- في السنة التي يخرج فيها .
والذي يظهر لي من بعض الاخبار انه يظهر في العاشر من جمادي الاولى والصاحب -عليه السلام- يخرج في العاشر من المحرم فبين خروجه وخروج الحجة -عليه السلام- ثمانية اشهر كما صرح به في الرواية .
وانما مضى اليه النبي -صلى الله عليه وآله- ليقيم عليه الحجة بان يدعوه الى الاسلام والايمان به واحب ان يدخل عليه على الحالة التي يقتضيها طبعه كما هو مذكور في هذا الحديث وغيره قبل ان تخبره امه بدخول النبي -صلى الله عليه وآله- عليه ليعرفه اصحابه بصفته وفعله ليكفروا بدعوته فانه الآن كما في هذه الرواية - يدعي النبوة ثم يدعي الربوبية وانه يخرج عند قيام القائم -عليه السلام- ويدعي الربوبية ويتبعه على دعوته ست عشر مائة الف ويسير في الارض كما في هذا الحديث الى ان يخرج حجة الله القائم -عليه السلام- ويقتله ويقتل جنوده.
فقول النبي -صلى الله عليه وآله- في حق امه: ما لها لعنها الله لو تركتني لاخبرتكم أهو هو ؟؟ لبيان صفته وفعله لهم كما قلنا .
ثم قال النبي -صلى الله عليه وآله-:ما ترى ؟
قال : ارى حقاً وباطلاً وارى عرشاً على الماء .
وكلامه -لعنه الله- هذا يكذب ما ادعته امه -لعنها الله- في حقه انه لمجهود في عقله يحدث في اثوابه يعني مجنون لانه لم يفعل ذلك لعدم التمييز ولكنه قاذورة لا يستنجس نجساً.
وقولها : انه ليراودني على الامر العظيم لا يدل على جنونه لانه يريد ان يفجر بامه لعدم انفته وتحريمه لشيء من المحرمات ولعل قوله: ارى حقاً وباطلاً ... الخ مشعر بقوة شعوره وحيلته فانه بفطرته يرى حقاً عند محمد -صلى الله عليه وآله- وباطلاً عند من خالفه ولكنه أبهَمَ ليدعي ان ما رآه من الحق انه هو المستحق له وان الباطل عند من خالفه إيهاما منه وتلبيساً . ولهذا سمي ( الدجال ) من دجل تدجيلاً غطى وطلى الذهب لتمويهه بالباطل ويقال النفس الامارة المدجلة لاجل ذلك ومن اجل ذلك قال النبي -صلى الله عليه وآله-بل تشهد ان لا اله الا الله واني رسول الله فما جعلك الله بذلك احق مني وانما ذكر شهادة ان لا اله الا الله واجاب باني ارى عرشاً على الماء ليخدع النبي -صلى الله عليه وآله- كما هو مقتضى طبيعته من التلبيس كما ان امه الملعونة انما قالت انه لمجهود في عقله ليكف عنه محمد -صلى الله عليه وآله- دعوته .
وقول الراوي وهو ابن عمر في حكايته المرة الثالثة وكانت قد نزلت في ذلك اليوم آيات من سورة الدخان فقرأها اي سورة الدخان لاجل الآيات المذكورة المناسبة لبيان احوال هذا الخبيث بهم اي باصحابه الذين سار معهم الى الخبيث الدجال فقوله : بهم اي حين صلى بهم صلاة الفجر وان الباء
بمعنى مع او المصاحبة .
والظاهر ان الآيات المشار اليها هي المناسبة لبيان حال الدجال ومآل امره وهي قوله تعالى:{ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اليم ربنا اكشف عنا العذاب -يعني تعجيل الفرج- إنا مؤمنون} وهي علامات قيام القائم -عليه السلام- وهو الذي خبأه رسول الله -صلى الله عليه وآله- لهلاك هذا الدجال المدلول عليه بهذه الآيات حين عارض هذا الملعون رسول الله -صلى الله عليه وآله- بدعوى النبوة فقال -صلى الله عليه وآله- له : اني خبأت لك خباء اي دفنت لك دفيناً وسترت لك مستوراً وخبأ بمعنى ستر فما هو يعني ان كنت تدعي انك رسول الله فاخبرني ما الذي ادخرت لك مما يسؤك ويبطل دعواك .
فاجابه اللعين بالكلام الفحش ليخجل النبي -صلى الله عليه وآله- فينقطع عن جوابه فقال الدخ الدخ والدخ بالمهملتين الدس والنكاح والدع في القفا كناية عن اللواط ، ولن تنال الا ما قدر لك فاخبره -صلى الله عليه وآله- ان اجلك على يد قائمنا اهل البيت حين تدعي الربوبية ولن تبلغ املك من البقاء والاستعلاء على العباد ولن تنال مطلوبك من ذلك الا ما قدر لك وكتب في ام الكتاب انك تدّعي الربوبية وتتسلط على رقاب الجهال الذين اجابوا دعوتك ثم لا تتمنع بذلك الا قليلاً حتى يقتلك قائمنا -عليه السلام- شر قتلة وقد ذكرنا على ما في الحديث ان ليس بين ظهوره وظهور القائم -عليه السلام- إلا ثمانية اشهر .
ثم قال -صلى الله عليه وآله- لاصحابه : ما بعث الله نبياً الا انذر قومه الدجال يعني اني انذرتكم فتنة هذا كما فعل الانبياء -عليهم السلام- قبلي ..
وقوله : وان الله عز وجل أخره الى يومكم هذا ما يريده به لاريكم صورته وصفته.
ثم قال -صلى الله عليه وآله -: فما تشابه عليكم من امره فان ربكم ليس باعور كما رايتم من قبح صورته ثم قال -صلى الله عليه وآله- انه يخرج على حمار عرض ما بين اذنيه ميل .
وفي رواية ابي الصدوق عن النزال بن سيرة في خطبة امير المؤمنين -عليه السلام- فقام اليه الاصبغ بن نباته فقال: يا امير المؤمنين من الدجال ؟ فقال : الا ان الدجال صائد بن الصيد فالشقي من صدقه والسعيد من كذبه يخرج من بلدة يقال لها اصبهان من قرية تعرف باليهودية عينه اليمنى ممسوخة بالدم والعين الاخرى في جبهته تضيء كانها كوكب الصبح فيها علقة كانها ممزوجة بالدم بين عينيه مكتوب كافر يقرأه كل كاتب وانه يخوض البحار ويسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان وخلفه جبل ابيض يرى الناس انه طعام يخرج في قحط شديد تحته حمار اقمر خطوة حماره ميل تطوى له الارض منهلاً منهلاً لا يمر بماء إلا غار الى يوم القيامة ينادي باعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والانس والشياطين يقول : (اليَّ اوليائي انا الذي خلق فسوى وقدر فهدى انا ربكم الاعلى) وكذب عدو الله انه اعور يطعم الطعام ويمشي في الاسواق وان ربكم عز وجل ليس باعور ولا يطعم الطعام ولا يمشي ولا يزول وان اكثر اتباعه يومئذ اولاد الزنا واصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله عز وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة افيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة على يدي من يصلي المسيح عيسى بن مريم خلفه انتهى.
هذا في وصف الدجال -لعنة الله- وانما نقلته لما فيه من الفوائد وبيان ما اشير اليه في التاويل طويل اعرضنا عما نعرف لطوله وعدم اجتماع القلب وما ذكرنا جامع لبيان باقي الحديث المسئول عنه .
وقوله -صلى الله عليه وآله- إلا مكة ولابيتها والمدينة ولابيتها فيه اشارة الى ان مكة يخرج فيها القائم -عليه السلام- وهو قاتله ولا يقدر على الوصول اليها خوفاً منه -عليه السلام- لعلمه انه -عليه السلام- يخرج من مكة والمدينة لقربها منه -عليه السلام- ظاهراً وباطناً واللابة هي الحرة
ذات الحجارة السود قد البتها لكثرتها ولابتا مكة الحراث التي تكتنفها .
والمراد بها حدود الحرم وهو اثنا عشر ميلاً طولاً وعرضاً فمن المشرق الى الكعبة المشرفة احد عشر ميلاً ومن المغرب ميل واحد ومن الشمال اربعة اميال ومن الجنوب ثمانية اميال ولابتا المدينة حرم المدينة وهو حرم رسول الله -صلى الله عليه وآله- وهو ما بين عظيمتين يكتنفانها وفي خبر ما معنى لابيتها ؟ قال :ما احاطت به الحراد . وفي خبر آخر ما بين ظل عائر الى ظل وعير وهما جبلان معروفان . وفي خبر آخر قال ما بين الصورين الى الثنية يريد جبلي المدينة اعني عايراً ووعيراً.
ثم لما كان خروج الدجال انما كان من اشراط الساعة ويخرج بعد الدنيا وان كان في آخرها لان احكامه من نوع احكام الاولى التي هي قيام القائم -عليه السلام- والرجعة فيجري التقدير له وعليه على مقتضى نظام الوجود وجب ان يكون في جميع احواله مطابقة الظاهر للباطن .
ولما كان حرم مكة وحرم المدينة لا يصاد حمامهما لان من دخلهما كان آمنا والدجال هو الصائد فلا يدخل الصائد حرمهما والا لما آمن من دخلها الذي هو صيدهما والى هذا المعنى اشار-صلى الله عليه وآله- لقوله يدخل آفاق الارض كلها الا مكة ولابيتها والمدينة ولابيتها وذلك لان نظام الوجود يقتضي مطابقة الظاهر للباطن