ــــــــــــ السلام على الشيب الخضيب ... السلام على الخد التريب ... السلام على البدن السليب ... السلام على الثغر المقروع بالقضيب ... السلام على الرأس المرفوع ... السلام على الأجسام العارية في الفلوات ... السلام على المرمّل بالدماء ... السلام على المهتوك الخباء ... السلام على خامس أصحاب الكساء ... السلام على غريب الغرباه ... السلام على شهيد الشهداء ... السلام على قتيل الأدعياء ... السلام على ساكن كربلاء ... السلام على من بكته ملائكة السماء >>> يا حسين يا حسين ياحسين يا عطشان يا عطشان ياعطشان ......... إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك ، ولا انا براج غير رضوانك إلهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي ، ...................آه إن انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته ، ويرحمه الملا اذا اذن فيه بالنداء ، ....................آه .. من نار تنضج الاكباد والكلى ...................آه .. من نار نزاعة للشوى ................آه .. من غمرة من ملهبات لظى

الجمعة، 25 أبريل 2008

قصة الرمانة التي في البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
محمد وآله الطيبين الطاهرين
نتبارك بذكر فضيله من فضائل الإمام القائم المهدي عجل الله فرجه وجعلنا وإياكم من أنصاره والمجاهدين تحت رايته آمين يا رب العالمين
(قصة الرمانة التي في البحرين)
لما كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج جعلوا واليها رجلاً من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها ، وكان هذا الوالي من النواصب وله وزيراً اشد نصباً منه يظهر العداوه لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت (عليهم السلام) ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكل حيله ، فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتأمل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن تكون من صناعة بشر فتعجب من ذالك وقال للوزير: هذه آية بينه وحجة قويه على أباطيل مذهب الرافضة فما رأيك في أهل البحرين ؟ فقال له : أصلحك الله إن هؤلاء جماعو متعصبون ينكرون البراهين وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك ، وإن أبوا إلا المقام على ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث إما أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون أو يأتو بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها أو تقتل رجالهم وتسبى نسائهم وأولادهم وتأخذ بالغنيمة أموالهم ، قاستحسن الوالي رأيه وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار والنجباء والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمانة وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف من القتل والأسر وأخذ الأموال أو الجزية على وجه الصغار كالكفار ، فتحيروا في أمرها ولم يقدروا على جواب وتغيرت وجوههم وارتعدت فرائصهم ، فقال كبرائهم : أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلا فاحكم فينا ما شئت ، فأمهلهم فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيرين . فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم عشرة ففعلوا ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم : أخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها واستغث بإمام زماننا وحجة الله علينا لعله يبين لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء ، فخرج وبات طول ليلته متعبداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله ويستغيث با لإمام (عليه السلام ) حتى أصبح ولم يرى شيئاًفأتاهم وأخبرهم ، فبعثو في الليلة الثانية الثاني منهم فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر فازداد قلقهم وجزعهم ، فأحضروا الثالث وكان تقياً فاضلاً اسمه محمد بن عيسى فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسراً الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى وتوسل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث بصاحب الزمان (عليه السلام) ، فلما كان آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول يا محمد بن عيسى مالي أراك على هذه الحالة ولماذا خرجت إلى هذه البرية ؟ فقال له : أيها الرجل دعني فإني خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلا لإمامي ولا أشكوه إلا إلى من يقدر على كشفه عني ، فقال : يا محمد بن عيسى أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك ، فقال إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك ، فقال له : نعم خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به ، قال : فلما سمعت ذلك توجهت إليه وقلت له : نعم يا مولاي قد تعلم ما أصابنا وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا ، فقال صلوات الله عليه : يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمانة وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما على الرمانة وشدهما عليها وهي صغيرة فأثر فيها وصارت هكذا ، فإذا مضيتم غداً إلى الوالي فقل له جئتك بالجواب ولكني لا أبديه إلا في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فنظر عن يمينك ترى فيها غرفه فقل للوالي لا أجيبك إلا في تلك الغرفة سيأبى الوزير عن ذلك وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه وحده يتقدم عليك فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال ، وأيضاً يا محمد بن عيسى قل للوالي إن لنا معجزة أخرى وهي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد والدخان وإن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته ، فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام (عليه السلام ) فرح فرحاً شديداً وقبل بين يدي الإمام صلوات الله عليه وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور ، فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كل ما أمره الإمام (عليه السلام ) وظهر كل ما أخبره فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال له : من أخبرك بهذا ؟ فقال : إمام زماننا وحجة الله علينا فقال : ومن إمامكم ؟ فأخبره بالأئمة عليهم السلام واحداً واحداً إلى أن انتهى صاحب الأمر صلوات الله عليه وعليهم ، فقال الوالي : مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثم أقر بالأئمة (عليهم السلام ) إلى آخرهم وحسن إيمانه وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم .
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين


الاثنين، 21 أبريل 2008

آثار وجود الإمام المنتظر عليه السلام

((آثار وجود الإمام المنتظر عليه السلام))
لوجود إمامنا المنتظر آثار عظيمة ومتنوعة، ربما نجهل الكثير منها، ولعل أعظم هذه الآثار ولاية الفقهاء على الناس وطاعتهم هي ليست طاعة ذاتية باعتبار أن الفقهاء ومراجع الأمة نواب عن الإمام الحجة المنتظر، فولاية الفقهاء على الناس هي شعاع من أشعة ولاية الأنبياء وقبس من نورهم عليهم السلام. فلنحاول أن نبحث في هذا القبس من خلال بعض المفردات، ومن ضمنها وأهمها مفردة الاستقامة والثبات على الطريق. ومثل هذه الاستقامة لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال اتباع وتولي هؤلاء الفقهاء والمراجع الذين يمثلون خط الولاية للأئمة والأنبياء والرسل أجمعين، على أن تمثيلهم هذا لخط الولاية لاينفي ضلال أكثر الناس عنهم وعدم اتباعهم لهم لجهلهم بهم، والتمرد على مذهبهم الصحيح، ولا غرابة في هذا الأمر إذا لاحظنا التصريح به في محكم القرآن الكريم حيث يقول الله سبحانه : ( وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) ويقول: ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِ كَارِهُونَ) .
فعدم إيمان الناس بالله جل جلاله لا يعني انتفاء الوجود الإلهي وصحة الإلحاد، وعدم اتباعهم للحق لايعني أن الحق مرفوض، بل إن الإنسان يميل في أعماق ضميره، إلى الحق، ولكنه عندما يصطدم بالمصلحة الذاتية يكرهه ويفرّ منه.ونحن عندما نبحث عملياً عن السر في بقاء ديننا ، وتوجّهنا إلى الخط الصحيح، والصراط المستقيم، ومعرفة الله تعالى معرفة صحيحة خالية من أية شائبة ، نجد أن خط العلماء هو الخط الذي أنعم الله تعالى به علينا؛ فهم الذين علّمونا معالم ديننا، ونقلوا إلينا هدى الأئمة وبصائرهم التي هي بصائر القرآن، وهدى الله سبحانه، ولذلك فإن الذين يهجرون خط العلماء، ويبتعدون عنه سواء كانوا أفراداً أم جماعة، فإنهم بتركهم وابتعادهم هذين سوف يضلون ضلالاً بعيداً.وينبغي على المؤمنين أن ينتبهوا إلى الأهمية الفائقة لاتباع المرجعية، والالتفاف حولها، فضلا عن توقيرها وإجلالها، وأن يعملوا ويسيروا على خط هذه المرجعية، ويزيلوا من نفوسهم كل الدواعي والأسباب التي تؤدي إلى ابتعادهم وانحرافهم عن هذا الخط -لا سمح الله- لضلال يقعون به بسبب المضلين، أو لحسد، أو كبر، أو عجب يقع في نفوسهم، فيدفعهم إلى الخروج عن طريق الاستقامة الذي أمر به نبينا صلى الله عليه وآله، ونهــي - في نفس الوقت- عن اتباع أهواء المضليـن في قوله تعــالى: ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَقُلْ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
ويبقى الطريق مستقيماً منذ أول نبي وحتى آخر مرجع إلى حين ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، وبتوفر هذه العوامل الإيمانية يمكننا أن نحقق النجاح والنصر، فخط الولاية هو الخط الصحيح والقويم، وإذا ما سلكناه ولم ننحرف عنه قيد أنملة بلغنـا هدفنا في نشر العدالة، ونيل العزة والكرامة في حياتنا الدنيا، وسرنا نحو الهدف التكاملي المتمثل في التقرب الى الله عـز وجل، وإن اخترنـا غير هذا المسلك القويم يبقى مصيرنــا -عندئذ- التيه والضلال، ولذلك يأمرنا سبحانه ، ويحذرنا من هذا التيه والضلال فيقول: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) .
والله سبحانه إنما يهدينا إلى الصراط المستقيم من خلال طاعته التي هي طاعة رسوله وأوليائه ومن ينوب عنهم، والرجوع إليهم في كل صغيرة وكبيرة، والانقياد لهم بكل طواعية عبر اتباع أوامرهم وتوجيهاتهم كما يؤكد على ذلك سبحانه في قوله: ( يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) .

من وحي الحجة عليه السلام

((من وحي الحجة عليه السلام))
ما هي علاقة الغيب بالإمام المهدي المنتظر( عليه السلام)؟
انّ القليل من الناس من يتزود بأحسن الزاد وإننا جلوس حول مائدة العقيدة المباركة ؛ فلا يكن حظّنا سوى رشحات ، وإنما ليحاول كلٌ منّا أن يكون زاده الأكثر والأنفع. لذلك فإننا نحاول أن أتحدث عن قضية هامة جداً، وهي قضية الغيب، لأنها من وجهة نظر العقيدة الإسلامية قضية محوريـة من شأنها أن تحدد علاقاتنا بالحقائق، فما هو الغيب يؤكد القرآن الحكيم بادئ بدء أن آياته الكريمة هدىً، ولكــن ليس لكل من هبّ ودبّ، بل هي هدىً للمتقين. وأبرز صفات هـؤلاء المتقـين الذين سيقول عنهم القرآن في الموقع التالي: (أُوْلئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ) أبرز الصفات فيهم هي الإيمان بالغيب، فهو الشرط الأساسي في إيمان الإنسان المتقي الذي حصر الله سبحانه وتعالى فيه الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة .
ونتساءل : ما هو الغيب ؟ ولماذا أصبح الإيمان بالغيب محوراً أساسياً للإيمان ؟
إن الله جلّ جلاله هو الغيب، وإن الرسالات السماوية هي الغيب،وإن الآخرة هي الغيب،وإن الإمامة في أهل البيت وعصمتهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي الغيب. وإن أبرز وأهم غيب في حياتنا، هو الإيمان بوجود وظهور وانتصار الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشريف إن الغيب هو خلق الشهود، وهو أصل الشهود، وهو روح الشهود، وهو محتوى الشهود ، وهو في الحقيقة النور الأسطع للشهود . فاللّب أهم من القشرة ، ومن أراد شراء بضاعة ما فهو يهتم بتحديد حقيقة هذه البضاعة دون الاكتفاء أو الاهتمام بما يعكسه مظهرها. وعلى الرغم من أنّ كثيراً من الناس يقول بأن ماكنة السيارة هي التي تحرّك السيارة؛ لكننا نقول - كما هي الحقيقة - إن وقود السيارة، هو غيب السيارة وهو الوجه الآخر الأصيل لذاتها. وإنّ ضوء الشمس ليس هو الشمس، وإنما عين الشمس الغائبة عنّا هو التفاعلات الذرية الحادثة باستمرار في الشمس، ولولا هذه التفاعلات لما أضاءت الشمس ولو للحظة واحدة وإن غيب الإنسان ليس حركته أو سكنته، وإنما الغيب فيه كامن في قوة قلبه وسلامة أعصابه وشرايينه ومخّه. وإذا انعمناالنظر في حقيقة الإنسان لوجدنا أن مخّه ليس هو الأساس فيه ، وإنما الروح هي المحور لديه ، وإذا انعمنا النظر ثانيةً لعرفنا أن العقل هو موجّه هذه الروح. ثم إن هذا العقل والحياة والقدرة الكامنة في الروح يقف وراءها أمراً أهم بكثير منها مجتمعةً، وهي إرادة الله سبحانه وتعالى، ولولا مشيئته وإفاضته وقدرته ونوره لتلاشت الروح الإنسانية؛ أو لنقل: لو لم تكن الإرادة الإلهية في إيجاد الروح والقدرة لدى الإنسان، لأصبح هذا الأخير كالجماد أو هو أعجز من الجماد، إن صحّ التعبير عن وجود جمادٍ في هذا الكون العجيب !...
إذن؛ فكلّ حلقة من حلقات الغيب تأخذ أهميّتها وموقعها من مستوى التعمق في النظر إليها. فكلما كانت هذه الحلقة أبعد من حيث الترتيب والعمق، كلما جسّدت هي الأساس والمصدر؛ أما النور والمظهر فلا شيء مهم يذكر فيهما، هذا هو الغيب ..والإيمان بالغيب عادةً ما يكون فارقاً بين الإنسان والحيوان؛ الحيوان العاجز عن النفوذ إلى اللّب والجوهر إلاّ بالحواس المادية. والبشر بدورهم على مراتب متفاوتة تجاه هذه المسألة؛ فالرجل العادي منهم ينظر الى طبيعة المجتمع المتخلفة والفقيرة والمتوترة والمضطربة ، ولكنه لا يعرف السبب من وراء ذلك، وهو قد يقول : لعلّ الله خلقهم كذلك !.. ولكن الخبير منهم ينظر بعين متفحصة وخلفية فكرية متينة ، فهو يؤكد - عالماً - بأن هناك أسباب للاختلاف والتخلف والفقر والتوتر والاضطراب وباقي الظواهر الأخرى. فالخبير يتعمق ويصل إلى العمق، في حين أن الإنسان البسيط أو المعاند أو الجاهل يقتصر على التعامل مع المظاهر فقط . والفرق بين فريق المؤمنين وفريق الكافرين هو في الذات. فالكافرون لا يعلمون إلاّ ظاهراً من الحياة الدنيا ، فهم لا يعرفون إلاّ أنهم يتوالدون ويتناسلون ويتكاثرون، وأنه لا يميتهم إلاّ الدهر. وأما عن الآخرة فهم قوم عمون ، لا ينظرون إليها، ولا يعرفون عنها شيئاً. أما فريق المؤمنين فهو من لا يضطر الى جعل الغيب شهوداً حتى يؤمن به، بل هو يرتفع إلى مستوى الإيمان به .وماذا يعني ذلك ؟! يعني أن الإنسان المؤمن لم يعترف بالموت أو بما وراء الغيب من رؤيته القبر، أو ماوراء القبر من عذاب أو ثواب، وهو لم يؤمن بالغيب من رؤية رآها في المنام ، وهو لم يؤمن بأن الميت الفلاني يتعذب في الوقت بعذاب القبر لأنه قد رأى ذلك في منامه، وهو لا يقول إنّ فلاناً في الجنّة لأنه قد رأى رؤية في ذلك، فرؤية المنام لا ينبغي أن تكون العامل الحاسم في الإيمان بالغيب ، كيف كان ومتى كان؛ بل إن المؤمن ومن خلال محاكمة عقلية، ومحاسبة علمية، ومن خلال ارتفاع مستوى روحه الى الاستشراف على الغيب يؤمن بما وراء المادة والغيب. فهو يعلو ويعلو، ويسمو ويسمو إلى أن يصل الى أفق الغيب فيؤمن به كحقيقة ثابتة لا تقبل الشك.

انتظار الفرج.. تنمية روحية للمؤمن

((انتظار الفرج.. تنمية روحية للمؤمن))
فتقمع جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة ،لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها لا يخفى على كلِّ من آمن بالله سبحانه أنه ليس في القاموس الإلهي إلاّ ميزان واحد، يقاس به الأفضلية وهو الميزان الحقيقي (وهو الحق) وغيره ليست بموازين بل يُترائى أنها موازين فلا حقيقة لها ولا ثِقل فيها قال تعالي: (والوزنُ يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون) (ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) وهذا الميزان هو: "التقرب إلى الله سبحانه وتعالى" فيجب أن نبحثَ عن مستوى التقرُّب إليه تعالى في الانتظار وعلى ضوءه نقيِّم مستوى قدسيِّة الانتظار، حتَّى نعرف السرَّ في أفضليَّته على سائر الأعمال بل حتَّى العبادات بحيث صار المنتظر كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله.
إنَّ من أهم نتائج انتظار الفرج تنميةَ روحيةِ الرجاء بالله في الإنسان المؤمن حيث يُشاهد أمامَه مجالاً وسيعاً من الفضل والكرم والخير الإلهي الذي سوف تظهر مصداقيَّتُها في تلك الدولة العظيمة المباركة وهي دولة المهدي المنتظر (صلوات الله وسلامه عليه)، تلك الدولة الكريمة التِّي يعزُّ الله بها الإسلام وأهلَه ويذلُّ بها النفاق وأهلَه، ومن الطبيعي لمن يمتلك هذه الرؤية أن يحتقر العالم الذي يعيشه بما فيه من المُغريات الخلاّبة الدنيوية والتسويلات الشيطانية، وهذا الأمر(أعني تحقير المظاهر الدنيويَّة) هو أوَّل خطوة يخطوها السالك إلى الله وهي (التخلية) التِّي تستتبعها (التحلية) ومثل هذا الإنسان المؤمن قد وصل بالفعل إلى مُستوى من العرفان والعبودية بحيث يكون لسان مقالِه حالِه وعملِه هو (صلِّ على محمدٍ و آل محمد وأثبتْ رجائك في قلبي و اقطعْ رجائي عمَّن سواك حتى لا أرجو إلا إيّاك ..) ثمَّ يترقَّى في العبوديَّة فيقول: (بسم الله الذي لا أرجو إلاّ فَضله) (يا من أرجوه لكل خير) هذه الروحية إن تركَّزت في الإنسان المؤمن فسوف تُعمِّق جذورَها فتقمع جميعَ الأشواك والموانع الصادَّة ،لتنشرَ فروعَها الطيِّبة وثمارَها الجنيَّة في السماء حتَّى تؤتى أكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها. فكيف لا يكون الانتظار أفضلَ الأعمال بل أفضل العبادات؟! وهو الذي يُخيِّم على جميع الأعمال ويُلقى الضوء عليها.

دور الإمام في الغيبة

((ما هو دور الامام في الغيبة))
كلنا نعلم ان بسط العدالة الشاملة على الأرض من أهم وأخطر المهام على الإطلاق:
إذا كان المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام قد ولد في عام 255 هـ , وهو غائب عن أنظار الناس منذ ذلك الحين إلى اليوم, ويستمر إلى اليوم الموعود الذي يظهر فيه ليقيم العدالة الشاملة على الأرض, فما دوره الذي يمارسه خلال هذه الفترة ؟ وهل الغيبة تعني غياب الفعالية والدور ؟؟
إن غياب الهوية عن مدارك الناس لا يعني الغياب عن الوجود ولا غياب الدور والفاعلية , فعلى الرغم من أن الله تعالى مجده غيب الهوية (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) إلا انه (يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وهو الوجود الصرف أزلاً وأبداً ويدير كل شؤون الكون من الذرة إلى المجرة وما كان أكبر من ذلك أو أصغر (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ..) , وكلنا نعلم إن الملائكة الغائبون عن حواسنا يمارسون شتى أعمال الغيب التي تتصل بشؤون الناس, مثل الحياة والموت والآجال والأرزاق والوحي ( الإلهام) وتثبيت المؤمنين بل القتال معهم في المعارك أيضاً وينزلون بعقاب السماء على المستحقين كما يؤكد القرآن الكريم في آيات كثيرة.
فكما الله يدير جميع شؤون الكون وهو غائب عن مدارك الناس, وكما الملائكة ينفذون الكثير من الأعمال التي تتصل بالناس دون أن يكون لهم حضور ملموس , وكما الخضر عليه السلام ينفذ أمر الله في الأرض دون أن يعلم به الناس, كذلك القائم بأمر الله يدير شؤون الأرض وما عليها دون أن يطلع الناس على أعماله , فغيابه عن أبصار الناس لا يعني أنه غير موجود أو غائب الدور والفاعلية , بل هو موجود ويقوم بأمر الله في جميع شؤون الأرض التي تتصل بالسماء , وهو -كما برهنا من قبل بكثير من البراهين- من الضرورات الوجودية التي لا يمكن تصوّر عدمها, لأنه مظهر لفعل الله في الأرض , فالله فاعل وفعله يظهر بواسطة مخلوقاته على حسب مراتبهم الوجودية.
إن الله تعالى مجده يحيي ويميت ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه, بل بواسطة الآباء الذين ينجبون الأطفال ويدفعون بهم إلى الحياة , وبواسطة الملائكة الذي يقبضون أرواح الناس عند الموت , والله تعالى مجده يقتل أعداءه الكفار ويخزيهم ويشفي صدور المؤمنين الذين يتأذون منهم , ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه بل بواسطة المؤمنين (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) والله تعالى مجده هو المعلم الأعظم (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) وهو يخرج الناس من الظلمات إلى النور, ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه , بل بواسطة الأنبياء والوحي والكتب المنزلة, والله تعالى مجده هو الذي يسّجل أعمال الناس ويمحو ما يشاء من الغيب ويثبت, ولكنه لا يباشر ذلك بنفسه ,بل بواسطة كتاب الغيب والملائكة والكرام الكاتبين, والله تعالى مجده هو المدير المطلق الذي يتولى كل شؤون السماوات والأرض , وهو لا يباشر ذلك بنفسه بل جعل في كل أرض من الأرضين السبع خليفة تكويني ( مدير) يتولى شؤون إدارتها بأمر من الله .
ومن خلال علمنا بالدور العظيم الذي أوكله الله للمهدي المنتظر بإقامة العدالة الشاملة على كوكب الأرض, وإيماننا بان الله (عَلِيمٌ حَكِيمٌ) لا يسلك العبث إلى ساحة قدسه من سبيل نستطيع القول : إن المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام الذي يتولى أمر العدالة الشاملة هو المدير العام للأرض وشؤونها , منذ ولادته المباركة وحتى اليوم الموعود , ولا يمكن أن يكون بلا دور فاعل في زمان غيبته , فجميع ما يجري في الأرض من أحداث إنما يقوم بها القائم بأمر الله ( المهدي) والملائكة الذين يعملون تحت أمره.
ومن خلال ما تقدم يظهر لنا ان أفعال الله الظاهرة في النشأة بواسطة مخلوقاته إنما تكون ذات مراتب متنوعة, فهناك أفعال بسيطة يقوم بها المؤمنون على حسب مواقعهم ودرجة إيمانهم, وهناك أعمال أبسط تقوم بها الكائنات الحية والجامدة , مثل الحشرات والرياح التي تنقل اللقاح إلى النبات , ومن خلال التناسل , فتكون سببا في انبثاق كائنات جديدة إلى الحياة , وهي ( الكائنات الحية والجامدة) تكون أيضاً السبب في موت الكثير من الكائنات , وذلك من خلال العواصف والأمطار الغزيرة والفيضانات والزلازل والبراكين ومن خلال افتراس الحيوانات لبعضها البعض ولدغاتها المميتة , و هي بهذا تكون جهة تنفيذية لأمر الله في النشأة أي مظهر لأفعال الله مثل( الحياة والموت ودورة الطاقة في الطبيعة) على حسب مراتبها .
والأفعال الراقية يقوم بها الأنبياء والأوصياء والأتقياء الصالحون الذين يخرجون الناس من الظلمات إلى النور , وهناك أفعال يتطلب تنفذيها العلم بالغيب يقوم بها الملائكة ورجال علّمهم الله من لدنه علماً( مثل آصف بن برخيا والخضر والمهدي عليهم السلام), مهمتهم الكتابة في الغيب وتنفيذ بعض الأعمال في الأرض .
ولما كانت جميع مراتب الأفعال الظاهرة والباطنة في النشأة مظاهر لأفعال الله تعالى مجده , فإنها جميعاً يجب ان تجمعها وحدة واحدة ( إدارة واحدة) وجودها في النشأة أمر ضروري, ومسوّغ الضرورة هو ان الله واحد أحد وجميع ما في الكون مراتب وجودية لهويته جل شأنه , فالوحدة الجامعة من الضرورات الوجودية التي لا يمكن تصور عدمها , وعلى هذا يجب أن يكون لهذه المراتب التي تظهر بها أفعال الله مرتبة جامعة نستطيع أن نطلق عليها تسمية مدير عام لشؤون مراتب الفعل في الأرض , وكلنا نعلم ان بسط العدالة الشاملة على الأرض من أهم وأخطر المهام على الإطلاق , وهي بلا شك تتطلب إمكانيات علمية وتنفيذية عظيمة جداً يتفرد بها القائم بأمر الله (المهدي المنتظر) عليه الصلاة والسلام , وعلى هذا الضوء فإن المهدي هو المرتبة الجامعة الضرورية في النشأة , وريثما يتحقق الفعل الأعظم ببسط العدالة الشاملة على الأرض , فإن جميع الأفعال التمهيدية التي تسبق ذلك تكون بعلم المهدي وتحت تصرّفه , فكما الكائن الحي لا يظهر بتمام كماله في النشأة دفعة واحدة, بل شيئاً فشيئاً وعلى حسب سنة النمو والتكامل , كذلك الفعل التام الأعظم (بسط العدالة الشاملة على الأرض) الذي يقوم به المهدي المنتظر لا يتحقق دفعة واحدة بل شيئاً فشيئاً وعلى حسب سنة النمو والتكامل, فالمهدي في الزمان السابق لظهوره يعمل ويمهّد للفعل الأعظم الذي صمم لتنفيذه, ولما كان هو القائم بأمر الله (الجهة التنفيذية) فإن الآيات القرآنية التي تتحدث عن الأفعال التمهيدية التي تسبق بسط العدالة الشاملة على الأرض إنما تتحدث عن المهدي عليه الصلاة والسلام , وفيما يلي نماذج من تلك الآيات .
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ*وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ*لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)
(.. وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
مصاديق هذه الآيات متحققة اليوم ونشهد مظاهرها يومياً بصورة مباشرة أو غير مباشرة , فقوله :( يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ) إشارة صريحة للكوارث الطبيعية مثل الأعاصير والأمطار الغزيرة والزلازل, والحروب التي يستخدم فيها القصف بالطائرات والصواريخ والقنابل الساقطة من فوق (مِنْ فَوْقِكُمْ ) , والألغام الأرضية والقنابل التي تتفجر من تحت الأرض (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) .
وقوله :( أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ) إشارة واضحة إلى حالات الفرقة والاختلاف التي تعاني منها الأمة , وإلى الحروب التي يذيق فيها بعضهم بأس بعض , أما القارعة في قوله (تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ) فهي المصيبة أو الكارثة التي تصيب الناس بصورة مباشرة أو غير مباشرة وتشمل:مظاهر الحروب والانفجارات بأنواعها ,والزلازل والفيضانات والبراكين والأعاصير والأمطار المدمرة , وسقوط الطائرات واصطدام القاطرات والسيارات, والأمراض الفتاكة مثل الإيدز والسارس ونحو ذلك, وهذه المصائب ( القارعة) تصيب الناس بصورة مباشرة (تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا )أو غير مباشرة (تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ).
ولو تأملنا في تلك الحوادث الواقعة التي نشهدها كل يوم ودرسناها على ضوء سنن الله الجارية في النشأة , نجدها تنمو وتتكامل شيئاً فشيئاً باطراد واضح, فحوادث اليوم أكثر من حوادث الأمس وحوادث الأمس أكثر من حوادث الشهر الماضي أو السنة الماضية, إنها تنمو وتتكامل كما ينمو ويتكامل الكائن , مما يعني أن حوادث المستقبل اكثر واعظم , ولسوف يستمر هذا الحال (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ ) و يظهر الحدث الأعظم الذي يستأصل كل كيانات الظلم والفساد بتمام كماله, فتطهر الأرض من كل مظاهر الشرك , وعندئذ يظهر الإسلام على الدين كله ويتم بسط العدالة الشاملة, وهكذا يظهر لنا بوضوح إن برنامج بسط العدالة الشاملة على الأرض إنما سلسلة طويلة من الحوادث تظهر شيئاً فشيئاً كما تظهر هوية الكائن الحي خلال مراحل النمو والتكامل والظهور التام لا يكون إلا في نهاية المطاف.
وبما أن المهدي المنتظر هو المصمم من قبل السماء لأداء هذه المهمة , فانه بلا شك هو المسؤول عن أداءها منذ البداية وحتى النهاية , فهذه الحوادث الممهدة لبسط العدالة الشاملة على الأرض إنما تدار من قبل الجهة التنفيذية لأمر الله المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام لأنها من فصول مهمة إظهار الدين وبسط العدالة المكلف بأدائها.
ولما كان إظهار الإسلام على الدين كله من ضمن برنامج بسط العدالة الشاملة المكلف بأدائها المهدي , فإن مظاهر الصحوة الإسلامية التي بدأنا نشهد انتشارها في الأرض بوضوح لا تحدث مصادفة, بل هي من الفصول التمهيدية المهمة التي يقوم بها المهدي شيئاً فشيئاً حتى يأتي اليوم الموعود ويظهر الإسلام على الدين كله ولو كره المشركون, وهذه الحقيقة يعرفها الكثير من المؤمنين الذين يتشرفون بلقاء كيانه المقدس عليه الصلاة والسلام .

الأحد، 20 أبريل 2008

الإمام المهدي العاطفة والوجدان

الإمام المهدي العاطفة والوجدان
قضية الإمام المهدي كقضية الإمام الحسين (عليه السلام) لها أبعاد كثيرة ــ في بناء الجماعة الصالحة ــ عقائدية إن وأخلاقية وثقافية ومعنوية. والحديث فيها واسع، حيث إنها تمثّل تفسيراً للتأريخ يتطابق مع النظرية القرآنية التي ترى وراثة الأرض للصالحين من عباد الله. قال تعالى:((لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)) وقال عزّوجل ((وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً)). والذي يعنينا في هذا المقطع من الحديث هو الإشارة إلى الجانب المعنوي والروحي فيها، بالقدر الذي يساهم في فهم منهج الأئمة (عليهم السلام) في بناء الجانب المعنوي للكتلة الصالحة من خلال قضية الإمام المهدي (عليه السلام). فإن قضية الإمام المهدي (عليه السلام) من وجهة نظر أتباع أهل البيت وشيعتهم تمثّل تجسيداً حيّاً للحقيقة التأريخية سالفة الذكر، ليس على مستوى المستقبل غير المنظور فحسب، بل على مستوى الحاضر المعاش الذي بدأ يجسّد هذا المستقبل من خلال وجوده الشريف. لأنهم يعتقدون بحياته وبولادته، وأنه يعيش الآن جميع ظروف الحاضر الصعبة التي يواجهها المسلمون، ويشاهد كل التجارب الانسانية والاجتماعية التي تمر بها البشرية ويتفاعل معها، ليحقق حكومة العدل الإلهي المطلق في مستقبل مسيرتها. ويعطي الاعتقاد وضوحاً في الرؤية للتأريخ الانساني، وفهماً للسنن الالهية في التأريخ التي تحدّث عنها القرآن الكريم. فإن الإنسان المؤمن الذي يمرّ بالالآم والمعاناة والمحن قد يصيبه شيء من الشكّ، أو الغموض والابهام في مصداقية الحقائق والسنن التاريخية التي تحدّث عنها القرآن الكريم مثل: سنّة الغلبة للصالحين، أو سنّة غلبة الحق على الباطل. قال تعالى ((قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً))وقال تعالى: ((انَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)). وقال تعالى: ((وَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)) ومثل سنّة الاستبدال في الجماعات الانسانية. قال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)). وقال تعالى: ((وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ))ومثل سنّة الارتباط بين مجتمع التقوى ونزول الخيرات والبركات، قال تعالى ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)). ومثل سنّة اتجاه الفطرة الإنسانية نحو التكامل والإيمان بالله تعالى. ومثل حقيقة خلافة الإنسان لله تعالى، وتحدّي الملائكة في خلقة هذا الإنسان. قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)). وقضية تطور الرسالات والرسالة الخاتمة. كل هذه السنن والحقائق قد تواجه هذا السؤال الكبير في ذهن الإنسان المؤمن، عندما يرى الآلام والمحن والفحشاء قد عمّت الارض، وأن الحق والمعروف لا يعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه. ولكن عندما يضع أمام عينيه حقيقة وجود الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأنه سوف يحقق كل هذه الآمال ويجسّد مصداقية كلّ هذه الحقائق والسنن، تصبح الرؤية لديه واضحة بيّنة. وإلى جانب ذلك كلّه يمكن أن نجد الأمور المعنوية التالية في هذه القضية المركزية في بناء الجماعة والكتلة الصالحة.الأمر الأول :
الوضوح في الإحساس بالواجب الإلهي والتكليف الشرعي عند القيام بمختلف النشاطات الإسلامية والدينية، حيث يشعر الإنسان المؤمن بالإمام المهدي (عليه السلام) ووجوده أنه يؤدّي أعماله وخدمته، ويمارس جهاده وتضيحاته تحت رايته الشريفة ورعايته الخاصة. ويعطي هذا الوضوح زخماً معنوياً كبيراً للتحرّك والعمل، يشبه الزخم المعنوي الذي كان يحصل عليه اُولئك المجاهدون الذين كانوا يقاتلون تحت راية الأنبياء والمرسلين، والذين تمكّنوا أن يحققوا الانتصارات الكبرى، وعملية التغيير الواسعة في المجتمع الانساني، إذ كلّما ازداد الشعور بالقرب من الحقيقة الربانية والرعاية الإلهية والقوة الحقيقية المتمثلة بالله تعالى، كان شعور الإنسان بتحقيق النصر وأداء الواجب أكبر، ولا شكّ أنّ الاحساس برعاية الإمام المعصوم والانتساب إليه في الحركة والنشاط، يجعل الإنسان يشعر بالقرب من الله ورعايته وامتثال أوامره بشكل افضل.
الأمر الثاني :
الاحتفاظ بالمبادئ والقيم والمثل الربانية في المسيرة، والسعي الدائم إلى تحقيق الكمال الإنساني بعيداً عن مفاهيم الربح والخسارة الدنيوية والكسب المادّي، أو الوصول إلى القدرة والهيمنة. وإن المسيرة التي تنتسب إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي يقوم بهذا الدور العظيم في التاريخ الإنساني ــ وهو إقامة حكومة العدل الإلهي المطلق ــ سوف تستوحي منه ومن أهدافه ــ التي لابدّ أن تتحقق ــ كلّ هذه ا لمعاني. وبذلك يحتفظ الإنسان في مسيرته بهذه الروح المبدئية العالية، التي تتحرّك على أساس القيم والمثل الإنسانية الرفيعة.
الأمر الثالث :
روح الصبر والثبات والتكامل من خلال هذا الصبر والثبات، طوال المعاناة والامتحان، لأن الإمام المهدي ــ بوجوده الشريف ــ يمثّل القدوة الرائعة العظيمة في الصبر والثبات، حيث أنه يشاهد كلّ هذه الآلام والمحن ويتعرّض لها في حياته، ويتفاعل معها بطبيعة الحال، ومع ذلك فهو صابر ممتحن في ذات الله، ومن أجل الأهداف العظيمة ينتظر الفرصة للقيام بدوره العظيم، هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى، فإن جانباً من تفسير طول الغيبة بعد وجوده الشريف هو أن تتكامل المسيرة من خلال التجارب والمعاناة، بحيث تصبح الأوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية والنفسية للبشرية مؤهّلة لقيام مثل هذه الحكومة، بسبب هذه ا لمعاناة والتجارب. وكلّ ذلك يعطي زخماً عظيماً وروحاً معنوية عالية في الصبر والثبات، والاستفادة منها في مسيرة التكامل الإنساني.
الأمر الرابع :
شعور الإنسان المؤمن بفكرة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بأنّ مجمل أعماله ونشاطاته هي مساهمة وأداء للدور التأريخي في التمهيد لقيام حكومة العدل الإلهي الملطق، التي يحققها الإمام المهدي (عليه السلام(فبدلاً من أن ينظر الإنسان المؤمن إلى تقويم دوره وأعماله ونشاطاته من خلال الأهداف المنظورة في حياته الشخصية القصيرة، أو من خلال ما يمكن أن يحققه أو يتحقق من إصلاحات في المجتمع الإنساني، وعندئذٍ قد يرى كلّ تلك الأعمال والنشاطات محدودة التأثير والأهداف فيزهد فيها، نرى أن الإنسان المؤمن بفكرة الإمام المهدي إنما يقوم بدوره في سلسلة المراحل والأهداف والأعمال التي تنتهي إلى إقامة ذلك المجتمع الإنساني الفاضل. وهذا بطبيعة الحال يمنح الإنسان مستوىً عالياً من الروح المعنوية في التعامل مع نشاطاته وأعماله وتضحياته، حيث يصبح الهدف كبيراً وعظيماً يغطّي كلّ هذه النشاطات والاعمال والجهود والتضحيات مهما كانت كبيرة وصعبة.
الأمر الخامس :
الأمل الكبير الذي لا يتوقف ولا ينطفئ في تحقيق الانتصار مهما طال الأمد، والشعور بأن الشوط سوف يصل إلى نهايته، والتطلّع إلى المستقبل بشكل مستمرّ ودائم. ولا شكّ أن روح الأمل هي من أعظم المعنويات التي تمدّ الإنسان بالقدرة على الاستمرار في الحركة والثبات والصبر والتضحية.
فالجندي الذي يشعر بأن مسيرته سوف يكملها جنود آخرون يحققون النصر والفتح، يكون على استعداد للتضحية والفداء أكثر بكثير من ذلك الجندي الذي يشعر بأنه بمجرد أن يسقط قد تتوقف المسيرة ويخسر المعركة.
وكذلك الجندي الذي يخوض المعركة ويشعر أن معارك أخرى يمكن أن يخوضها لتحقيق النصر، لا يتوقف عندما يخسر المعركة الأولى، بل يستمر في الحركة. وهذا لا يتوفر إلاّ في أولئك الذين يؤمنون بفكرة الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يقود المعركة، وسوف يستمرّ في قيادتها حتى الوصول إلى نهايتها.
وهذا مما يجعل الأمل حيّاً ومتوقّداً يدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط في كلّ الظروف. الأمر السادس :
الشعور والاحساس بأن جميع المظالم والآلام التي يتعرّض لها المؤمنون سوف يتمكّنون في النهاية من أخذ الثأر لها، والانتقام من أولئك المجرمين الذين ارتكبوا كلّ هذه الجرائم والجنايات بحق البشرية.
ومع قطع النظر عن الجانب الشخصي في عملية الثأر والانتقام هذه ــ حيث إن ذلك يرتبط بفكرة الرجعة ومدلولها السياسي والاجتماعي ــ فإن هذا الثأر والانتقام يتحقق بالنسبة إلى أولئك السائرين على خطّ أسلافهم من المجرمين، حيث يشكّلون أمة واحدة في التفكير والسلوك والأهداف والمصير.
وفكرة الانتقام والثأر ــ بالمعنى السليم لها الذي يعني الثأر للقيم والمبادئ والحق والعدل ــ هي فكرة صحيحة وإسلامية تحدّث عنها القرآن الكريم في أكثر من موضع مثل قوله تعالى: (( يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ)).
كما تحدّثت النصوص عن ذلك عندما وصفت الإمام الحسين (عليه السلام) بأنه ثار الله وأن الإمام المهدي يثأر للحسين (عليه السلام) ويكون أحد شعاراته هو يالثارات الحسين وكذلك ما ورد في زيارته الشريفة من قوله: واقرن ثأرنا بثأره.
وهذا الاحساس والشعور يمثّل قوة معنوية كبيرة في داخل الإنسان لأن الله تعالى أودع في الإنسان هذا اللون من الاحساس، ولذلك ينزع إليه الإنسان بشكل طبيعي في حياته ويمثّل أحد الدوافع لمسيرته وحركته ونشاطه. وقد أهتمّ الإسلام بتوجيه هذا الدافع والاحساس، لكي لا ينحرف فيتحول إلى مجرّد تعبير عن الغريزة دون أن يصب في مسيرة الكمال الإنساني، فوضع الثأر والانتقام والتشفّي في طريق القيم والمبادئ ــ لا لمجرّد التعبير عن الاحساس والنزعة ــ شأنه في ذلك شأن بقية الأحاسيس والغرائز التي اهتم بها الإسلام، عاملاً محركاً باتجاه الكمال.
ومن الواضح أن مسألة الثأر والانتقام في قضية الإمام المهدي (عليه السلام) ليست انتقاماً وثأراً من الأشخاص، بل هي انتقام وثأر من الواقع الفاسد الذي كان يعيشه الإنسان، وذلك بتغييره وتحويله إلى واقع العدل والخير.
معالجة الضغوط النفسية:
العمل على معالجة الضغوط النفسية التي تتعرّض لها الجماعة الصالحة من أعدائهم، ومواجهة تفاصيل الحرب النفسية، والهجمة السياسية والإعلامية التي كان يتعرّض لها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) وتلاحظ في هذا المجال ــ بالإضافة إلى الاثارات والشكوك حول مصداقية مذهب أهل البيت (عليهم السلام) والحصار السياسي والاقتصادي، والمطاردة القمعية التي كان يتعرّض لها هؤلاء الأتباع ــ قضيّتان رئيسيتان لهما تأثير نفسي سلبي قوي على الجماعة.
القضية الأولى:
هي قلّة عدد الجماعة في خضمّ العدد الكبير الذي كان يكوّن مجموع الأمة الإسلامية، خصوصاً في عصور الأئمة أنفسهم، حيث كانت الجماعة الصالحة تعيش ضمن المجتمعات الإسلامية الواسعة، دون أن يكون لها تواجد مستقل، فكانوا يشعرون بالضيق الروحي والنفسي من هذه الناحية. وهذه ا لظاهرة النفسية تواجهها عادة الجماعات القليلة المؤمنة كافّة عبر تأريخ الرسالات الإلهية، وقد عالجها القرآن الكريم في آيات عديدة عندما تحدّث عن القلّة في مثل قوله تعالى((وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) وقوله تعالى((وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ)) وقوله تعالى ((وَقَليلٌ ما هُم))
القضية الثانية:
الاتهام بالرفض وشقّ عصا المسلمين والخلاف مع الجماعة... إلى غير ذلك من الاتهامات، التي تحاول محاصرة الجماعة وجعلها غريبة وبعيدة عن المجتمع الإسلامي، حيث تطوّرت بعض هذه الاتهامات إلى الحكم بكفر الجماعة وانحرافها وخروجها عن الإسلام، واستحقاقها للقتل أو النفي.
وكان أتباع أهل البيت يشعرون بالضيق النفسي الشديد بسبب هذا النوع من الاتهامات المحاصرة. وقد حاول الأئمة (عليهم السلام) معالجة هاتين القضيتين، تارة بشكل مباشر من خلال معالجة هذين العنوانين، وأخرى بشكل غير مباشر، وذلك من خلال التأكيد على أن الاختبار من قبل الله تعالى، والإشارة إلى ما يترتب على ذلك من الأجر العظيم، أو من خلال التأكيد على وحدة مصيرهم مع أتباعهم، أو الاشارة إلى ذكرهم في القرآن الكريم. ونستعرض هنا بعض نماذج الروايات التي تتحدث عن ذلك: عن محمد بن إسحاق الثعلبي قال: سمعت جعفر بن محمد (الصادق) (عليهما السلام) يقول: نحن خيرة الله من خلقه، وشيعتنا خيرة الله من أمّة نبيه.
وعن محمد بن قيس وعامر بن السمط ، عن أبي جعفر (الباقر) (عليه السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يأتي يوم القيامة قوم عليهم ثياب من نور، على وجوههم نورن يعرفون بآثار السجود، ويتخطّون صفّاً بعد صفّ، حتّى يصيروا بين يدي ربّ العالمين، يغبطهم النبيّون والملائكة والشهداء والصالحون، ثم قال: أولئك شيعتنا وعليٌّ إمامهم. عن أبي بصير قال: سمعت جعفر بن محمد (الصادق) (عليه السلام) وهو يقول: >نحن أهل بيت الرحمة، وبيت النعمة، وبيت البركة، ونحن في الارض بنيان، وشيعتنا عُرى الإسلام، وما كانت دعوة إبراهيم إلاّ لنا وشيعتنا، ولقد استثنى الله إلى يوم القيامة إلى اِبليس فقال(( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ)).