ــــــــــــ السلام على الشيب الخضيب ... السلام على الخد التريب ... السلام على البدن السليب ... السلام على الثغر المقروع بالقضيب ... السلام على الرأس المرفوع ... السلام على الأجسام العارية في الفلوات ... السلام على المرمّل بالدماء ... السلام على المهتوك الخباء ... السلام على خامس أصحاب الكساء ... السلام على غريب الغرباه ... السلام على شهيد الشهداء ... السلام على قتيل الأدعياء ... السلام على ساكن كربلاء ... السلام على من بكته ملائكة السماء >>> يا حسين يا حسين ياحسين يا عطشان يا عطشان ياعطشان ......... إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنعمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك إلهي ان طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما انا مؤمل غير غفرانك ، ولا انا براج غير رضوانك إلهي افكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ثم اذكر العظيم من اخذك فتعظم علي بليتي ، ...................آه إن انا قرأت في الصحف سيئة انا ناسيها وانت محصيها فتقول خذوه فيا له من مأخوذ لا تنجيه عشيرته ولا تنفعه قبيلته ، ويرحمه الملا اذا اذن فيه بالنداء ، ....................آه .. من نار تنضج الاكباد والكلى ...................آه .. من نار نزاعة للشوى ................آه .. من غمرة من ملهبات لظى

الاثنين، 15 ديسمبر 2008

كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟

كيف نؤمن بأن المهدي قد وجد؟
السؤال يقول: هب أن فرضية القائد المنتظر ممكنة بكل ما تستبطنه من عمر طويل وإمامة مبكرة وغيبة صامتة فإن الإمكان لا يكفي للاقتناع بوجوده فعلاً، فكيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي؟وهل تكفي بضع روايات تنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ـ للاقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر على الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة وخروج عن المألوف بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجوداً تاريخياً حقاً وليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته في نفوس عدد كبير من الناس؟
والجواب: أن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموماً وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصاً، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك، وقد أحصى أربعمائة حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله)ـ من طرق إخواننا أهل السنة كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة والسنة فكان أكثر من ستة آلاف رواية، وهذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة.وأما تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر (عليه الصلاة والسلام) فهذا ما توجد مبررات كافية وواضحة للاقتناع به.ويمكن تلخيص هذه المبررات في دليلين:
أحدهما: إسلامي .
والآخر: علمي .
فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر، وبالدليل العلمي نبرهن على أن المهدي ليس مجرد أسطورة وافتراض بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية.أما الدليل الإسلامي، فيتمثل في مئات الروايات الواردة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) والتي تدل على تعيين المهدي وكونه من أهل البيت ومن ولد فاطمة ومن ذرية الحسين وأنه التاسع من ولد الحسين وإن الخلفاء اثنا عشر، فإن هذه الروايات تحدد تلك الفكرة العامة وتشخيصها في الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، وهي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة والانتشار على الرغم من تحفظ الأئمة (عليهم السلام) واحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام وقاية للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته.وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وإنهم اثني عشر إماماً أو خليفة أو أميراً على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلف.قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة بما في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود ومسند أحمد ومستدرك الحاكم على الصحيحين، ويلاحظ هنا أن البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري وفي ذلك مغزىً كبير، لأنه يبرهن على أن هذا الحديث قد سجل عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمة الإثني عشر فعلاً، وهذا يعنى أنه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثراً بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاساً له، لأن الأحاديث المزيفة التي تنسب على النبي (صلى الله عليه وآله)، وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنياً لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاساً له، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أن الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمة الإثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكد من أن هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع وإنما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: (إن الخلفاء بعدي إثني عشر).وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءاً من الإمام علي وانتهاءاً بالمهدي ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف.وأما الدليل العلمي، فهو يتكون من تجربة عاشتها أمة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغرى.ولتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى:إن الغيبة الصغرى تعبر عن المرحلة الأولى من إمام القائد المنتظر (عليه الصلاة والسلام) فقد قدّر لهذا الإمام منذ تسلمه للإمامة أن يستتر عن المسرح العام ويظل بعيداً باسمه عن الأحداث وأن كان قريباً منها بقلبه وعقله، وقد لوحظ أن هذه الغيبة إذا جاءت مفاجأة حققت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمة الإسلامية، لأن هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام في كل عصر والتفاعل معه والرجوع إليه في حل المشاكل المتنوعة فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية والفكرية سببت هذه الغيبة المفاجاة الإحساس بفراغ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كله ويشتت شمله، فكان لابد من تمهيد لهذه الغيبة لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج وتكيف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى التي اختفى فيها الإمام المهدي عن المسرح العام غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طريق وكلائه ونوابه والثقاة من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي.قد أشغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة ممن أجمعت تلك القواعد على تقواهم وورعهم نزاهتهم التي عاشوا ضمنها وهم كما يلي:
1ـ عثمان بن سعيد العمري.
2 ـ محمد بن عثمان بن سعيد العمري.
3 ـ أبو القاسم الحسين بن روح.
4ـ أبو الحسن علي بن محمد السمري.
وقد مارس هؤلاء الأربعة مهام النيابة بالترتيب المذكور وكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه بتعيين من الإمام المهدي (عليه السلام).وكان النائب يتصل بالشيعة ويحمل أسئلتهم إلى الإمام، ويعرض مشاكلهم عليه ويحمل إليهم أجوبته شفهية أحياناً وتحريرية في كثير من الأحيان، وقد وجدت الجماهير التي فقدت رؤية إمامها العزاء والسلوة في هذه المراسلات والاتصالات غير المباشرة، ولاحظت إن التوقيعات والرسائل كانت ترد من الإمام المهدي (عليه السلام) بخط واحد وسليقة واحدة طيلة نيابة النواب الأربعة التي استمرت حوالي سبعين عاماً، وكان السمري هو آخر النواب فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنواب معينين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبر التحول من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمتها لأنها حصنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيف وضع الشيعة على أساس الغيبة وتعدهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين إلى خط عام وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعاً لتحول الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.والآن بإمكانك أن تقدر الموقف في ضوء ما تقدم لكي تدرك بوضوح أن المهدي حقيقة عاشتها أمة من الناس وعبر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحد كل هذه المدة تلاعباً في الكلام أو تحايلاً في التصرف أو تهافتاً في النقل.فهل تتصور (بربك) إن بإمكان أكذوبة أن تعيش سبعين عاماً ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أي شيء يثير الشك ودون تأن يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع وإيمانهم بواقعية القضية التي يدعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟!لقد قيل قديماً ـ إن حبل الكذب قصير ـ، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عملياً بحساب الاحتمالات أن تعيش أكذوبة بهذا الشكل ولك هذه المدة وضمن كل تلك العلاقات والأخذ والعطاء ثم تكسب ثقة جميع من حولها.وهكذا نعرف أن ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضوعي والتسليم بالإمام القائد بولادته وحياته وغيبته وإعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح ولم يكشف نفسه لأحد.

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر ؟

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟
كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلا خمس سنوات تقريباً وهي فترة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟
والجواب: إن المهدي (عليه السلام) خلَّف أباه في إمامة المسلمين، وهذا يعني أنه كان إماماً بكل ما في الإمامة من محتوى فكري وروحي في وقت مبكر جداً من حياته الشريفة.والإمامة المبكرة ظاهرة مسبقة إليها عدد من آبائه (عليهم السلام) فالإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) تولى الإمامة وهو في الثامنة من عمره والإمام علي بن محمد الهادي تولى الإمامة وهو في التاسعة من عمره والإمام أبو محمد الحسن العسكري والد القائد المنتظر تولى الإمامة وهو في الثانية والعشرين من عمره، ويلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي (عليه السلام) والإمام الجواد (عليه السلام) ونحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة على عدد من آباء المهدي (عليه السلام) تشكل مدلولاً حسياً عملياً، عاشه المسلمون ووعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل وآخر، ولا يمكن أن نطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح وأقوى من تجربة أمة.ونوضح ذلك ضمن النقاط التالية:أ ـ لم تكن إمام الإمام من أهل البيت مركزاً من مراكز السلطان والنفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن ويدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين، وخلافة الخلفاء العباسيين، وإنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية والواسعة عن طريق التغلغل الروحي والإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام وقيادته على أسس روحية وفكرية.ب ـ إن هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام، وازدهرت واتسعت على عهد الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) وأصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان، في داخل هذه القواعد تشكل تياراً فكرياً واسعاً، في بالعالم الإسلامي يضم المئات من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين والعلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية والبشرية المعروفة وقتئذٍ، حتى قال الحسن بن علي الوشا: إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.ج ـ إن الشروط التي كانت هذه المدرسة وما تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي، تؤمن بها وتتقيد بموجبها في تعيين الإمام والتعرف على كفاءته للإمامة شروط شديدة، لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماماً إلا إذا كان أعلم علماء عصره.د ـ إن المدرسة وقواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة، لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطاً عدائياً، ولو من الناحية الفكرية على الأقل، الأمر الذي أدى إلى قيام السلطات وقتئذٍ وباستمرار تقريباً حملات من التصفية والتعذيب، فقتل من قتل، وسجن من سجن، ومات في ظلمات المعتقلات المئات؛ وهذا يعني أن الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلفهم غالياً ولم يكن له من الاغراءات سوى ما يحس به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى والزلفى عنده.هـ ـ إن الأئمة الذي دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها ولا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم، ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلا أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كل واحد من الأئمة الأحد عشر ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية، وما كان يبثه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى وما كان قد أعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمون الديار المقدسة من كل مكان لأداء فريضة الحج، كل ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الإمام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.و ـ إن الخلافة المعاصرة للأئمة (عليهم السلام) كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدراتها، وعلى هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة أنفسهم على الرغم مما يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار، وهي حقائق تاريخية لا تقبل الشك، أمكن أن نخرج بنتيجة وهي: إن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية ولم تكن وهماً من الأوهام، لأن الإمام الذي يبرز على المسرح وهو صغير فيعلن عن نفسه إماماً روحياً وفكرياً للمسلمين، ويدين له بالولاء والإمامة كل ذلك التيار الواسع لابد أن يكون على قدر واضح وملحوظ بل وكبير من العلم والمعرفة وسعة الأفق والتمكن من الفقه والتفسير والعقائد، لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته مع ما تقدم من أن الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم وللأضواء المختلفة، أن تسلط على حياتهم وموازين شخصيتهم.فهل ترى أن صبياً يدعو إلى إمامة نفسه وينصب منها علماً للإسلام وهو على مرأى ومسمع من جماهير قواعده الشعبية فتؤمن به وتبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها وحياتها بدون أن تكلف نفسها اكتشاف حاله وبدون أن تكلف نفسها اكتشفا حاله وبدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف وتقييم هذا الصبي الإمام؟ وهب أن الناس لم يتحركوا لاستطلاع الموقف، فهل يمكن أن تمر المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام وسائر الناس؟ وهل من المعقول أن يكون صبياً في فكره وعلمه حقاً ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟وإذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر فلماذا سكتت الخلافة القائمة ولم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبياً في فكرة وثقافته كما هو المعهود في الصبيان، وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته وتبرهن على عدم كفاءته للإمامة والزعامة الروحية والفكرية. فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلم الإمامة فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الاماميون، وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذٍ.إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة، عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً.والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع، والتأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل وفشلها بينما لم يحدثنا إطلاقاً عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.وهذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت وليس مجرد افتراض، كما إن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها وحالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عبر الرسالات والزعامات الربانية ويكفي مثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت (عليهم السلام) يحيى (عليه السلام) إذ قال الله سبحانه وتعالى: (يا يحيى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الحكْمَ صَبيّاً).
ومتى ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية ومتواجدة فعلاً في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخص إمامة المهدي (عليه السلام) وخلافته لأبيه وهو صغير.

الأحد، 14 ديسمبر 2008

سيد عوالم الوجود

سيد عوالم الوجود

الامام بقية الله (روحي فداه) سيد و عظيم كل عوالم الوجود . ما من خلق الله (تعالى) اليوم احد على الكرة الأرضية أعظم و اكبر و أعلى من الامام بقية الله (أرواحنا فداه) .. من أحبه فقد احب الله ، و من عاده فقد عادى الله ، و من عرفه فقد عرف الله و من اعزه فقد اعز الله.
المرحوم الشيخ محمد الكوفي الشوشتري ، أحد علماء أهل المعنى المعاصرين .. حدث قال:
عزمت أن أبيت الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان و الليلة الحادية و العشرين في مسجد الكوفة . و إذ كانت تلك الايام أيام ذكرى استشهاد الامام أمير المؤمنين علي أبن ابي طالب (عليه السلام) فقد نويت أن أقصد زاوية من زوايا المسجد أستذكر مصائب الامام (عليه السلام) و أبكي عليه .
صليت صلاتي المغرب و العشاء في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان عند مقام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسجد السهلة . ثم فكرت أن أنتحي ناحية لتناول ما معي من طعام الأفطار .. فتوجهت تلقاء الجانب الشرقي للمسجد . اجتزت الغرفة الأولى ، ثم لما بلغت الغرفة الثانية رأيتها مفروشة ، و رأيت شخصاً متزملاً بعبائته و قد نام على الفراش . و ثمة شخص آخر من أهل العلم يرتدي زي العلماء .. جالس إلى جانبه.
سلمت عليه فرد ( أي الرجل المرتدي زي العلماء – السلام ، و طلب إليّ أن أجلس إلى جواره ، فطاوعته و جلست .
ثم راح يسألني عن احوال العلماء و الفضلاء الخيـّرين في النجف ، و كنت أجيبه أنهم – و لله الحمد – بخير و سلام.
في هذه الاثناء .. رأيت ذلك الرجل المستلقي يقول شيئاً لصاحبي هذا الذي كان يسألني .. و لم أفهم ما قال له . و لكني سألت الرجل المرتدي زي العلماء عنه قائلاً : من هذا ؟ فقال لي : هذا سيد العالم . فاستكثرت في قلبي جوابه هذا ، و ظننت أنه كان يريد أن يعظم هذا السيد في عيني ، لأن سيد العالم هو الامام الحجة أبن الحسن (عليه السلام) لا سواه.
و إزالة لتوهمه .. قلت له : هذا سيد عالم ؟ فقال : لا ، هذا سيد العالم حينئذ لم أجد غير السكوت ، و رحت أنظر فيما حولي .. فرأيت مسجد الكوفة مغموراً كله بنور بدت معه المصابيح المضاءة اشبه بالشموع.
بعدها طلب هذا الرجل المعمم ماء ، فظهر شخص على الفور ، و ناوله إناء فيه ماء ، فشرب منه شيئاً ، و ناولني البقية.
قلت له : لست عطشاناً . ثم أن الشخص الذي كان قد ظهر و احضر الماء ، اخذ منه الاناء و غاب.
عند هذه النقطة .. نويت في قلبي أن أقوم قاصداً مقام الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصلي ثم لأتذكر مصائبه (عليه السلام) و أخلو للبكاء.
عندها بادرني هذا الرجل الذي هو من أهل العلم قائلاً : أين ذاهب ؟ فاخبرته بما نويت
فقال لي : بارك الله فيك.
ثم لما خطوت بضعة خطوات باتجاه مقام الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ، حانت مني التفاتة إليهما فلم أجدهما ، رغم أني ما سرت إلا قليلاً .

سبعة ايام في رفقة امام الزمان (عليه السلام)

سبعة ايام في رفقة امام الزمان (عليه السلام)
لا يرضى الامام بقية الله (روحي و أرواح العالمين له الفداء) لمحبيه أن تشتمل عليهم الأحزان و الأشجان . و إذا ما أصابتهم معضلة فإن الامام (عليه السلام) يدفعها عنهم بألطافه الخفية أو الجلية .
إنه الامام الرؤف . سيد الكل ، و مولى الإنس و الجن ، و حجة الله على العالمين.
ورد في كتاب (المعجزات و الكرامات) عن العالم الجليل الزاهد الذي ليس له بديل السيد عزيز الله أنه قال :
في زمان إقامتي في النجف الأشرف ، ذهبت مرة يوم عيد الفطر المبارك إلى كربلاء المقدسة لزيارة الامام أبي عبدالله الحسين (صلوات الله عليه) و هناك نزلت ضيفاً على صديق لي في مدرسة الصدر فكنت أنفق جل أوقاتي في الحرم المطهر الحسيني .
و دخلت المدرسة في أحد الأيام .. فرأيت جمعاً من الأصدقاء يتهيئون لزيارة النجف الأشرف ، فسألوني عن الوقت الذي أروم فيه السفر إلى النجف.
قلت : اذهبوا أنتم إلى النجف ؛ فإني عازم على السفر من هنا إلى بيت الله الحرام.
قالوا : و كيف ؟!
قلت لهم : دعوت تحت قبة سيد الشهداء (عليه السلام) أن أوفق للذهاب إلى حبيبي مشياً على الأقدام ، فأكون أيام الحج في حرم الله .
فما كان من هؤلاء الأصدقاء إلا أن أخذوا يعنـّفونني و يلومونني قائلين : يبدوا أن عقلك قد تحجر من كثرة العبادة و الرياضة ، و أصابك الجنون ؟ كيف تسافر ، بهذه البنية الضعيفة و هذا البدن العليل ، وحدك عبر الصحراء العريضة ؟! سوف تقع في أول مرحلة من مراحل الطريق بأيدي أعراب البادية ، و تكون نهايتك !
انكسر قلبي من هذا التأنيب و التعنيف ، و تضايقت كثيراً . خرجت من الغرفة أبكي ، و مضيت من فوري إلى حرم سيد الشهداء (عليه السلام) زرت زيارة مختصرة ، و أنتبذت مكاناً عند الرأس المقدس . . و رحت أدعو بدعاء التوسل في بكاء و نواح في تلك الحالة .. حدث أمر أحسست دفعة واحدة بكف يد الله الامام بقية الله (روحي فداه ) تستقر على كتفي . ثم قال (صلوات الله عليه ) : أتود أن تذهب معي إلى بيت الله مشياً على الأقدام؟
قلت : نعم .
فقال عليه السلام: إذن يكفيك مقدار من الخبز الجاف لمدة أسبوع ، و خذ معك ثياب الإحرام في يوم (كذا) و ساعة (كذا) كن هنا ، و زر زيارة الوداع .. لنمضي معاً
من هذا المكان المقدس تلقاء المقصود.
قلت : على عيني ، أنا في رسم الخدمة .
ذهب الامام (عليه السلام) و خرجت في الحرم الحسيني ثم هيأت من الخبز الجاف المقدار الذي أوصى به الامام ، و حملت ثياب الإحرام .. و قصدت الحرم الطاهر ، و زرت زيارة الوداع في المكان .. حيث ألتقيت بالامام (عليه السلام).
خرجت من الحرم برفقة الامام و سرنا حين غدونا خارج كربلاء مشينا ساعة .. لا الامام يكلمني و لا أنا قادر على أن أحدثه و أشغل وقته كان الوضع عادياً .. حتى بلغنا في الصحراء موضعاً فيه ماء.
عندها خط الامام (عليه السلام) خطاً على الأرض ، و قال هذه هي القبلة امكث هنا . صل و استرح . أعود إليك عصراً ، لنذهب إلى مكه .
سلمت لما أراد ، فمضى (عليه السلام) .. و عاد في وقت العصر قال : هيا ..نذهب نهضت و حملت خرج الخبز و مقداراً من الماء و لدى الغروب بلغنا مكاناً فيه ماء .
قال لي : اقض الليلة هنا . و خط خطاً يعـّين اتجاه القبلة ، و قال : هذه هي القبلة ، و سآتيك صباح غد ، لنمضي تلقاء مكه.
مر أسبوع على هذه الشاكلة . و في صبيحة اليوم السابع قال لي الامام (عليه السلام) – و قد كنا قرب ماء في الصحراء : اغتسل بهذا الماء ، و أرتد ثياب الاحرام ، و أفعل ما أفعل ، و لب معي كما ألبـّي .. فها هنا ميقات.
كنت أردد ما يقول الامام و أفعل مثلما يفعل . حتى إذا سرنا قليلاً و صرنا على مقربة من جبل .. طرقت سمعي أصوات.
سألت : ما هذه الأصوات ؟
أجاب الامام (عليه السلام) : اصعد الجبل ترى مدينة هناك ، فادخل المدينة . قال الامام هذا .. ثم غاب عني .
صعدت الجبل .. ثم اتخذت طريقاً أنحدر فيه نحو المدينة . و هناك سألت رجلاً : ما أسم هذه المدينة ؟ قال :هذه مدينة مكة ، و هذا بيت الله .
و فجأة تفطنت إلى حالي ، فأخذت ألوم نفسي :سبعة أيام كنت برفقة امام الزمان و لم استفد منه ؟! لماذا تعاملت مع هذا الموضوع الفائق الأهمية بكل هذه البساطة و العفوية ؟!
و على أي حال .. فقد أقمت في مكه شهري شوال و ذي القعدة و أياماً من شهر ذي الحجة . ثم التقيت باصدقائي الذين كانوا قد وصلوا إلى مكة بالسيارة .
خلال هذه المدة كنت عاكفاً على التعبد و الزيارة و الطواف .. و تعرفت فيها على عدة أشخاص . و لما رآني أصدقائي و معارفي الذين جاءوا من بعدي إلى مكه .. وضعوا أيديهم في أفواههم من الدهشة ، وشاعت بينهم حكايتي.

الفرج الأكبر والظهور الأزهر بإرادة الله

الفرج الأكبر والظهور الأزهر بإرادة الله ( تعالى )
واقعة رواها خاتمة المحدثين المرحوم الميرزا حسين النوري في كتابه (جنة المأوى)
في السنة التي اصبح فيها (عمر باشا) والياً على العراق .. شدد على الناس ، و عزم على تطبيق نظام التجنيد الأجباري عام (1274) لأول مرة في العراق و لم يفرق في هذا بين عالم و جاهل ، و بين سيد من الشرفاء و سواه .. حتى أشتد الأمر على العراقيين و عظم البلاء . كما وقعت حوادث هامة في منطقة الفرات الأوسط بالعراق قابلها الوالي التركي بالعنف.
في هذا الجو الخانق المطبق .. ظهرت ندبة شجية على شكل قصيدة شاكية من الأوضاع السيئة و الظلامات النازلة ، كان الشاعر يخاطب بها الامام المهدي صاحب الزمان (صلوات الله عليه) ، و يشكو إليه ما أصاب الناس من محن ، و يدعو الامام (عليه السلام) إلى الظهور و النهضة الموعودة .
و كان قائل القصيدة الشجية هو شاعر العراق الكبير ، الصالح ، السيد حيدر الحلي .. الذي جمع إلى قوة إيمانه و شدة تقواه فصاحة اللسان و بلاغة البيان . و هي قصيدة تبلغ الخمسة و الثلاثين بيتاً ، يقول فيها :

يا غمرة من لنا بمَـعْبرها ؟!
موارد الموت دون مصدرها
يطفح موج البلا الخطير بها
فيغرق العقل في تصورهــا
و شدة عندها أنتهت عظمـاً
شدائد الدهـر مع تكــــثرهــا
ضاقت . و لم يأتها مفرجها
فجاشت النفس في تحيرهــا
و ملة الله غـُيرت ، فغـــدت
تصرخ لله من مـُغـــــــيرها
لم صاحب الامر عن رعيته
أغضى ، فغصت بحور أكفرها
ما عِـذرُه نصب عينه أخـذت
شيعتـه ، و هو بين أظهـــرها ؟!
يا غيرة الله لا قـرار علـــى
ركوب فحشائها و منكــــــــرها
سيفك و الضّرب ، إن شيعتكم
قد بلغ السّيف حــــزّ منحـــــرها
مات الهدى سيــّدي فقم وأمت
شمس ضحاها بليل عـِثـــيرهــا
فهاك قــــلب قلــــــوبنا ترها
تفطـرت فيك من تنظــــــــــرها
كم سهرت أعين و ليس سوى
أنتظارها غوثكم بمـُســـــــهـرها
تـُغضي و أنت الأب الرحيم لها
ما هكذا الظن يا أبن اطهرهــــا
إن لم تُـغثها لجــــرم أكــبرها
فارحم لها ضعف جـِرم أصغرها

يقول الميرزا النوري : فراى أحد الصلحاء المجاورين في النجف الأشرف الأمام الحجة المنتظر (عليه السلام) . فقال له ما معناه : قل للسيد حيد لا يؤذيـني ؛ فإن امر الظهور ليس بيدي .
و بعدها .. رفع الله (تعالى ) عن الناس هذه الشدة في أيام هذا الوالي و بعده إلى سنين.

من هذه الواقعة و من مئات سواها يتجلى أن موضوع الفرج الأكبر و الظهور الأزهر إنما هو بإرادة الله (تعالى) وحده . و إن الامام (عليه السلام) لا يتدخل إلا بإذن الله (عزوجل) و على المسلمين أن يكونوا في حالة ترقب و انتظار ليكونوا متأهبين على الدوام.
و إنه لمن السهل أن نتصور كيف يكون التأهب و الاستعداد لانتظار الظهور المبارك .. من خلال مثال من حياة الناس اليومية . فلو أنك علمت أن ضيفاً عزيزاً ، أو رجلاً ذا سلطان ، أو إنساناً جليلاً أنت على استعداد لتفديه بنفسك ، و تكن له أرفع مشاعر الحب . لوا أنك علمت أو أخبرك هو نفسه أن من المحتمل أن يأتيك إلى دارك في موعد مفتوح ، يبدأ من هذه اللحظة ، و إلى عدة أيام قادمة .. فكيف ستعمل لاستقباله ؟ خاصة إذا أًخبرت أو أنك تعلم أن من خصاله شدة العناية بالنظافة و الترتيب ؟ أتراك تؤجل تنظيف غرفة الاستقبال و إعدادها حتى تحين لحظة قدومه ؟ أم أنك ستعمل ما في وسعك لتجعلها نظيفة دائماً و مرتبة قبل أن يجيئ .. حتى إذا جاءك وجدها كما يود ؟
إذا كانت تصلك به صلة المحبة أو حتى صلة الخوف فإن من الطبيعي أنك لا تتوانى لحظة عن إعداد غرفة الاستقبال و تهيئتها لضيفك المنتظر.
و نحن إذا كنا من منتظري ولي الله الاعظم (ارواحنا فداه) و لا نعلم في أي يوم و لا في أي ساعة يكون ظهوره .. فمن الحتم علينا ما دمنا نكن له المحبة و نرجو أن نكون من المقربين لديه أن نبذل قصارى جهدنا للتخلص مما بنا من رذائل ، و مما نقترفه من ذنوب و آثام ، و أن نسعى بصدق إلى بلوغ صالح الخصال و للتخلق بالخلق الإسلامي ، و أن تنبع أعمالنا من هذه الخصال و من هذا الخلق.
إن علينا استعداد للقياه (عليه السلام) أن نصون أنفسنا ، و أن نعمل دائماً لا ستدرار رضاه . و من هذا المنطلق وجدت أن مئات الافراد الذي التقيت بهم ممن تعتمل في صدروهم محبة الامام بقية الله (ارواحنا فداه) و ينتظرون ظهوره .. هم خير من غيرهم في التقوى و خير من سواهم في الأخلاق.
و من هنا جعل الله (تبارك و تعالى ) إنتظار الفرج أفضل اعمال أمة رسول الله صلى الله عليه و آله .. و من هنا أخفى الله جل جلاله ظهور الامام بقية الله (اوراحنا فداه).
و من هنا .. ما كان لأحد من حق في التدخل في امر الفرج و الظهور .

بالسعي الجاد ..ادركت غايتها

بالسعى الجادّ . . ادركتْ غايتها .
عـادة مـاتـكـون النـسـاء - اذا سـلكـن سـبـيـل الكمال الروحى بجدّ - اكثر توفقا من الرجال فى الفوز بانكشاف الحجب الظلمانيّة و النوريّة . ذلك انّ النساء ارهـف عـاطـفـة و اوفـر رحـمـة و اشـدّ حـيـاء و ارقّ قـلبـا . وهـنّ اكـثـر اسـتـعـدادا لخروج حبّ الدنيا من قلوبهنّ ممّا لدى الرجال . و هناك دلائل على هذا يطول بيانها . و اكتفى هنا بالاشارة الى واقعة واحدة كنموذج .امـراة مـن ( آذربـيـجـان ) كـانـت قد قرات كتاب ( معراج الروح ) . . اتّصلت بى ( السيد حسن الأبطحي ) يوما عن طريق الهاتف ، قائلة انها تريد ان تلتقى بى ؛ لانّ لديها اسئلة حول كتاب
( معراج الروح)قلت :لامانع . اذا جئت الى مشهد فيمكنك ان تساءلى عمّا بدا لك .لم تمرّ بضعة ايّام حتى جاءت الى دارنا ، و ناولتنى و رقة كانت قد سجّلت عليها ما تريد من اسئلة ، و قالت :هذه المسائل التى اريد السؤال عنها .عـنـدمـا نـظرت الى الورقة وجدت انّ اجابات هذه المسائل مدوّنة فى كتاب ( المصلح الغيبى ) و كتاب ( اجابتنا) .اعـطـيـتها الكتابين و قلت :اجابة اسئلتك فى هذين الكتابين ، فاقرئيهما . و اذا بقيت لديك اسئلة اخرى فسأجيب عنها باذن اللّه .اخذت الكتابين و انصرفت . و فى اليوم التالى عادت و قالت انها قراتهما ، و وجدت فيها الاجابة عمّا تريد .و اضافت :و لكنى لاادرى ماذا ينبغى ان افعل لاوفق لتزكية النفس و ازالة الحجب الظلمانية و النورانية .عـنـدئذ طـلبـت مـنـهـا ان تـحـكـى لى عـن اوضـاعـهـا ، فـَرَوَتْ لى طـرفـا مـن سـيـرتـهـا . و يـؤ سـفـنـى القول انى فهمت عن هذه المراة انّها قلّما تركت ذنبا لم ترتكبه ، و قلّما كانت ثمّة صفة سيئة لم تتّصف بها .لاتـظـنـوا انـّهـا بـاحـت لى بـذنـوبـهـا ؛ لانّ بـوح الانـسـان بـمـعـاصـيـه مـعـصـيـة اخـرى . . بـيـد انّى فهمت - من خلال كلامها - انّها كانت كذلك .و هـا هـى ذى قـد نهضت من كبوتها ، و بدات روحها تتطّلع الى الاعالي . بادئ ذي بدء ينبغى لها ان تسلك طريق التـوبـة . هـذا مـا يـقـرّره المـنـهج المألوف فى السير و السلوك الى اللّه ( تعالى ) بعد اليقظة و الإفاقة .اوضحت لها منهج التوبة ، و ذكرت لها العلامات التى يفهم منها التائب انّ توبته قد قبلت .
1- ورد تفصيل مسألة التوبة و علائم القبول في كتاب (سير إلى الله ) للمؤلفو قلت لها :اجـلسـى الليـلة وحدك فى غرفة منفردة ، و انت مكشوفة الراس ، و اعلنى بين يدى اللّه اسفك وندمك ، و تضرّعى بـتـوسـّل و بـكاء ، و اعتذرى الى اللّه ( جلّ جلاله ) بعبارات الاستغفار ، و ذكر " اليونسيّة "حتى تبدو لك تـلك العـلامـات . و اذا بـدت لك عـلامـات قـبـول التـوبـة فـانّ سـائر مراحل السّير السلوك تمسى هيّنة امامك .ذهـب هـذه المـراة ، و يـبـدو انـّها عكفت منذ تلك الليلة على تنفيذ هذا البرنامج ، و تضرّعت بين يدى اللّه ( تبارك و تعالى ) مئات المرّات بعبارة :" استغفراللّه و اتوب اليه " ، و مئات المرّات ب‍ " لااله الاّ انت سبحانك انّى كنت من الظـالمين " ، مع توجّه الى معناهما الخاصّ الذى كنت قد ذكرته لها . كانت تبكى و تتضرّع بين يدى اللّه كثيرا ، ملتزمة التزاما وثيقا بشروط التوبة . بعدئذ ذكرت هى :فى وقت السّحر - و قد تعبت عينى ، فكانت تؤ لمنى كـثـيـرا بـحـيـث احـسـسـت فـيـهـا بـلذعـة تـمـنـعـنـى مـن اطـبـاق جـفـنـىّ - وجـدت فجاءة تلك العلامات التى ذكرتها لقـبـول التـوبـة ، و قـد صـارت تـوبـتـى إنـْشـاء اللّه تـوبـة نـصـوحـا . و انـا بـانـتـظـار ان تـدلّنـى على المراحل الاخرى للسير و السلوك .قلت لها :منذ الآن عليك بالمراقبة بأن لا تعودي الى المعاصي القديمة ، و حاسبى كلّ ليلة نفسك . و اذا كنت قد عملت معصيه - لاسمح اللّه - فعليك ان تتلافيها على الفور .الى جـانـب هـذا . . عـليـك مـنـذ اليـوم - و انت تريدين المسير تلقاء الحقائق و المعنويّات - ان تحددّى هدفك ، و ان تعدّى عدّة السير .قالت :قل لى إذَنْ ماذا ينبغى ان يكون الهدف ؟ قـلت :افـضـل هـدف و خـيـر غـايـة هـو ان تـبـلغـى الكـمـالات الروحـيـّة ، اى ان تـنـسـلخـى مـن الرذائل ، و تـتـلبـّسـى بـالخـصـال الانـسـانية الحسنة . و خلاصتها انّ قلبك ينبغى ان يغدو نقيا كالمرآة . . حتى تنعكس فيه صفات " الانسان الكامل " . . الذى هو الامام بقيّة اللّه ( ارواحنا فداه
مرآة كلّ المظاهر الالهيّة ، و حتى تغدو روحك مبرّاة من كلّ سوء . و هذا هو هدفنا الذى علينا جميعا ان نسلك الطريق اليه .امـّا الوسـائل القـادرة عـلى البـلوغ بـنـا الى هـذا الهـدف فـهـى الريـاضـات الشـرعـيـّة المـسـتـمـدّة مـن اهل بيت العصمة و الطهارة ( عليهم السّلام ) ، فبدون مددهم لايتمّ شيئ .و الخـلاصـة انـّى شـرحـت لهـا خـلال اقـامـتـهـا فـى مـشـهـد تـلك الايـّام القـليـلة مـراحـل السـّيـر و السـلوك ، منذ " اليقظة و الافاقة " الى " الخلوص " . و كانت هى تدوّن ما تسمعه من تعليمات فـى دفـتـر كـان بـيـدهـا . ثـم حـمـلتـه معها الى مدينتها . و رغم التزاماتها المنزلية و الاسريّة فانها انجزت خلال سنة واحدة ماينجزه آخرون خلال سنوات . . حتى بلغت مقام " الاخلاص " ثم " الخلوص " و غدت ذات روح طاهرة تـشـاهد العوالم الاخرى الكامنة وراء هذا العالم . و حدث لها ان ارتبطت ارتباطا روحيّا كاملا بالامام ولىّ العصر ( ارواحـنـا فـداه ) . و خـلاصـتـهـا انـّهـا قـد وصـلت - خـلال مـدّتها هذه - الى مقام الانقطاع التامّ عن غير الحقّ ، و الى الاتّصال بالحقّ جلّ و علا .انّ المـسـألة هـى كـما تعلم - و كما لوحظ كثيرا - تشبه حالة المريض او الشخص الذى يعيش " حالة اضطرار " ، فـيـنـقـطـع نـظـره عـن الوسائل الظاهرية - و لو لحظة - و يتّصل بمركز القدرة الالهيّة - اعنى امام الزمان ( عليه السـلام ) - فـانـّه يـشـفـى فـى اللحـظـة مـن مـرضـه الذى لاشـفـاء له او يـزال اضـطـراره . انّ الشـخـص البـالغ مـقـام الخـلوص و الانـقـطـاع و الواصـل الى مـقـصـوده تـغـدو كـلّ اوقـات عـمـره تـمـاما مثل تلك اللحظة التى فاز بها المريض و حدثت له فيها المعجزة .معنى هذا انّه اذا اراد . . فانّه يتقلّب دائما فى معجزات و ينال كلّ ما يشاء ، و يكون كما فى الحديث القدسىّ الذى يـقـول اللّه ( عـزّ و جـلّ ) فـيـه :" عـبـدى اطـعـنـى تـكـن مـثـلى تـقـول للشـيـئ كـن . . فـيـكـون ، و تقول للشيئلا تكن . . فلايكون " سوف تغدو انت كذلك من هذا النمط .و فـى الحديث الا خر :" ما يزال العبد يتقرّب الىّ بالنوافل حتّى احبّه ، فاذا احببته كنت عينه التى يبصر بها و اذنه التى يسمع بها و لسانه الذى ينطق به " .اجل ، ما اكثر قدرات الانسان على بلوغ الكمالات الروحيّة ! و لكن ما اشدّ غفلته فى الوقت نفسه ! و ما اكثر ما يقع فى حبائل الشيطان الذى اقسم ان يغويه و يُرْديه !

حافظ القرآن بإعجاز من بقية الله

حافظ القرآن بإعجاز من بقية الله

إذا أراد المرء أن يتخلق بأخلاق الامام بقية الله (ارواحنا فداه) ، فيكون قريباً منه مرتبطاً به ، و مستريحاً من شر الشيطان و النفس الأمارة .. فعليه – بلا شك – أن يعنى بتهذيب نفسه و يحافظ على اخلاص نيته ، كما قال الشاعر :
فان ترد صحبته وحده فانفض يداً من كل شيئ سواه

و على أقل تقدير ينبغي له أن يعمل بما يعلم – خالصاً لوجه الله (تعالى ) ، فقد جاء في الخبر:
( من عمل بما علّمه الله .. علم ما لم يعلم ) . و صاحب التقوى – في الواقع – هو من يتعلم للعمل ، فلا يغفل في هذه المرحلة عن أدنى تكليف .. و يتسم بالدقة في أداء وظائفه.
و في المرحلة اللاحقة عليه أن يخلص دينه لله ، فلا يقوم بعمل بدون خلوص في النية .

و عندئذ .. يصبح الانسان موضع عناية من الامام بقية الله (روحي و أرواح العالمين له الفداء).
و في هذا الصدد ثمة واقعة عجيبة .. أرويها للقراء الأعزاء :(السيد حسن الأبطحي)
في سنة ( 1332 هـ ش ) كنت حديث العهد بالحوزة العلمية في قم . و لهذا أقمت مدة خمسة عشر يوماً هناك في دار آية الله الشيخ محمد الرازي قبل ترتيب مسألة سكناي . و في هذه المدة كان في دار الشيخ الرازي ضيف آخر ، اسمه : كربلائي محمد كاظم كريمي.

في وقتها كانت لي علاقة ما بحركة (فدائيان اسلام) ، و بقائدها المرحوم حجة الإسلام سيد مجتبى نواب صفوي – على الخصوص.

و قد لاحظت أن المرحوم نواب صفوي و الشيخ الرازي يعاملان كربلائي محمد كاظم بكثير من الاحترام .. لا لأنه رجل عالم ، و لا لأنه ذو نفوذ و منزلة ، و لا لأنه ثري له شأن . و انما – وهذا الدافع الوحيد- لأنه حظي بأن يصبح موضع عناية من الامام بقية الله (روحي له الفداء) ، فوهبه الامام (عليه السلام) ثروة معنوية عظمى . وما ذاك إلا لأن هذا الرجل كان قد عمل بما يعلم من أحكام الاسلام .

و هذه الثروة التي فاز بها هي أنه أمسى – في لحظة واحدة – حافظاً القرآن كله عن ظهر قلب . و علاوة على هذا .. فإن حفظه لم يكن كسائر الحفظ ، ذلك أنه ( عليه السلام ) قد أودع في حافظة هذا الرجل خواص كل آية و كل سورة ، ومالها من المزايا.

و خلال الخمسة عشر يوماً هذه التي عاشرته فيها .. شهدت منه عدة وقائع ، أذكرها هنا للقراء ليعلموا أن هذا الحفظ للقرآن ما كان شيئاً عادياً . فلو أن شخصاً يمتاز بحافظة مرهفة لما استطاع – في مئة سنة – أن يبلغ ما بلغه كربلائي محمد كاظم ! و جدير بالذكر هنا أن هذا الرجل كان قليل الحفظ ، ضعيف الاستعداد ، بسيط .. بحيث أني تعمدت – و باصرار كثير – خلال الأيام الخمسة عشر أن يحفظ اسمي مع لقبي .. ليكون في حافظته مع مخزونها من القرآن الكريم .. و لكنه لم يستطع ذلك إلا في الأيام الأخيرة ، و بعد جهد جهيد .

أتمنى لو كنتم قد رأيتموه بقلة حفظه و بساطته و ضعف استعداده .. و أذن لرأيتم كم هي معجزة عجيبة مسألة حفظه القرآن . على أنه لم يكن قد حفظ القرآن على النمط المألوف ، فالحوادث التي سيأتي ذكرها – و التي حدثت بحضور العلماء و المراجع – تدل على أن هذا الحفظ لم يتحقق على نحو عادي أبداً . و أضرب مثلاً على ذلك .. ما فعله يوماً المرحوم حجة الاسلام سيد عبدالحسين الواحدي ( أحد كبار حركة فدائيان اسلام ) فأنه جهد خلال أيام أن يختار من بضع سور قرآنية كلمات متفرقة ، جعلها في سياق واحد و كأنها آية متكاملة و عندما قرأ جمعه أمام بعض العلماء لم يشك أحد في أنه كان يقرأ شيئاً من القرآن . و لكن ( كربلائي محمد كاظم ) كان الوحيد الذي اعترض عليه قائلاً : هذه الكلمة من السورة الفلانية ، و تلك من السورة الفلانية الأخرى .. حتى شخـّّص حوالي عشرين كلمة ، و نسب كلاً منها إلى مواضعها من سورها المحددة .. و كان يتلو ما قبل كل كلمة و ما بعدها من عبارات السورة المحددة .. و كان يتلو ما قبل كل كلمة و ما بعدها من عبارات السورة . و قال له أيضاً : و أضفت حرف (الواو) من عندك عدة مرات لتصل بين الكلمات ، من أجل أن تختبرني ! حذ هذا بمحضر طائفة من العلماء الذين راقهم ما رأوه من كربلائي كاظم و استحسنوه ، حتى أن أحد كبار العلماء نهض من مكانه و قبل يده .

في أحد تلك الأيام أردت أن اعرّفه لرجل ، فقلت لهذا الرجل : أنه يحفظ القرآن كله .. كما نحفظ نحن سورة ( الفاتحة ) .
فالتفت إلى كربلائي كاظم قائلاً : أتعني أنك تحفظ سورة ( الفاتحة ) حفظاً جيداً ؟ !
قلت : بلا شك ؛ فأنا أقرؤها في الفرائض كل يوم عشر مرات في الأقل .

فقال لي : أذن .. ما هي الكلمة التي تتوسط سورة (الفاتحة ) ؟
أردت أن احسب الكلمات لأتعرف على وسط السورة لكنه ابتدرني قائلاً : كلا ، قل هكذا .. بدون أن تحسب .
قلت : لا أدري . فقال : الكلمة التي في وسط سورة (الحمد ) هي كلمة ((نستعين)) قبلها اثنتا عشرة كلمة ، و بعدها اثنتنا عشرة كلمة . وهي واقعة بين هذه الأثنتي عشرة و بين هذه الأخرى.

و من خلال اختبارات عديدة .. عرفت أنه يعرف كلمات القرآن كلها على هذه الشاكلة . و متى ما سألته عن موقع الكلمة الفلانية في ترتيب كلمات القرآن .. فانه يجيب على الفور و بدون أدنى تأخير ، كأن يقول : هذه الكلمة الألف و مئة و احدى و عشرين في ترتيب كلمات القرآن . و كذا كان شأنه في معرفة تسلسل الآيات . و حتى إذا اردت معرفة عدد الحروف ، أو مرات تكرر لفظة ما في القرآن ... فأنه يجيبك بلا تردد.

قلت له يوماً : ان (فلاناً ) عليه دين كثير ، وقد طلب مني أن أدعو له بأداء دينه ..فإذا كان لديك شيئ يفيده في هذا المعنى فقل لي ، أوصله إليه.

قال : أنا لا أعرف شيئاً غير القرآن . فإذا رغبت فإني أعطيه من القرآن ما يفيده في أداء قرضه .. بشرط ألا تخبر أحداً غيره ، و ألا يخبر هو شخصاً آخر ، و ألا فانه يفقد أثره . أجبته إلى ما اشترط ، فقال : قل له يقرأ هذه الأية الشريفة كذا عدد .. لمدة عشرة أيام ، و هي قوله (تعالى) : و من يتق الله يجعل له مخرجاً و يرزقه من حيث لا يحتسب ، و من يتوكل على الله فهو حسبه أن الله بالغ أمره ، قد جعل الله لكل شيئ قدرا.
أخبرت الرجل بما ذكره كربلائي كاظم ، فعمل به ، و في اليوم العاشر استطاع سداد القرض الذي عليه – و قد كان مبلغاً كبيراً ، لا يدري كيف يفي به .

احدى خصائصه التي حيرت الجميع – و ربما كانت أكثر شيئ امتحن به و اختبر – هي أنك إذا وضعت في يده أية نسخة من المصحف الشريف .. حتى لو كانت نسخة خطية عائدة إلى شخص بعينه ، ثم طلبت منه أن يستخرج آية معينة .. فانه – و بدون أن يقلب أوراق المصحف – يفتح المصحف لتجد الآية المقصودة في إحدى الصفحتين اللتين ظهرتا عند فتح المصحف ، فيشير أمامك إلى الآية ببنانه .

و أعجب من هذا أنه إذا أعطي كتاباً عربياً ، مثل (المكاسب) أو ( شرح اللمعة الدمشقية) – و فيهما آيات قليلة جداً و لم تكتب بحروف متميزة – ثم طلب إليه أن يميز الآيات الموجودة على الصفحات .. فانه يدلـّك – من فوره – على تلكم الآيات ، حتى لو كانت قصيرة ، قائلاً : هذه العبارة من الآية الفلانية في السورة الفلانية.

في أحد الأيام ..كنت أقرا في كتاب عربي ، فأشار إلى كلمة في السطور ، و قال : هذه الكلمة من القرآن . خلت – في البدء – أنه غير قادر على أن يحدد كون هذه الكلمة العربية من القرآن ، أم انها كلمة عربية من غير القرآن . و على سبيل المثال .. فإن كلمة (كفروا) قد تكون قرآنية أو لا تكون كذلك . و لكني وجدت – و أدهشني هذا – أن الكتاب المشار إليه كان يتحدث عن هذه الكلمة من القرآن .. من الوجهة اللغوية.
عندئذ سألته : كيف تعلم هذا ؟
فاجاب : حين أفتح كتاباً يحتوي على آيات قرآنية .. فإن الكلمات و الآيات القرآنية تتلألأ أما عيني نوراً ، فأشير إليها باصبعي مباشرة .
كان يختم القرآن الكريم مرة في كل يوم و ليلة . أي أنه كان يقرأ كل جزء من القرآن في خمس عشرة دقيقة .
و أغرب من هذا أنه كان بوسعه أن يقرأ آيات و القرآن و سوره من الآخر إلى البدء .. بنفس هذه السرعة .

و لإدراك أهمية هذه المسألة ، جرب أن تقرأ سورة ( التوحيد) من آخرها إلى بدئها .. ( أحد كفواً له يكن و لم يولد و لم يلد لم الصمد الله احد الله هو قل ) !

أن إيراد هذه الوقائع التي كانت شاهداً لها ، كما شهدها مئات العلماء – و منهم مراجع كبار كالمرحوم آية الله العظمى البروجردي ، و آية الله العظمى السيد محسن الحكيم – لربما يرسم ملامح صورة ما عن حالة حافظ القرآن : كربلائي محمد كاظم . و مع هذا كله فـ ( ليس الخبر كالمعاينة ) ، و ما راءٍ كمن سمعا ) !

و على أي حال .. فلو كان قدر لك أن ترى هذا الرجل عن قرب لأيقنت أن حفظه القرآن الكريم لم يكن من الطور المألوف في حفظ الحفاظ . و لربما كنت قد استعنت به – كما استعان المرحوم آية الله العظمى البروجردي – لتصحيح بعض القراءات القرآنية المدونة بها المصحف . و أدنى ما يستفيده المرء من معاشرة هذا الرجل أن تتأكد لك – لدى معاينة هذه المعجزة العجيبة – عظمة فعل الله (جل جلاله ) ، و عظمة دينه الحق و قرآنه المجيد.

أجل .. أن لهذه الحالة ينبوعاً صدرت منه .. فما هو هذا الينبوع ؟

روى لي المرحوم كربلائي محمد كاظم أصل الواقعة التي جرت له ، فقال :
في أيام المحرم ... قدِم إلى قريتنا (ساروق) الواقعة في ضواحي مدينة (أراك) واعظ للارشاد ، كان يرتقي المنبر في الليل للموعظة و التبليغ . أيامها كنت شاباً أجد في داخلي رغبة لتعلم المعارف و الأحكام الإسلامية .. فكنت أقصد مجلس لأستمع إليه.

و في أحد الليالي .. تحدث عن مسألة (الخًُمس ) و ( الزكاة ) . و كان فيما قال : لو أن أحداً لا يدفع ما عليه من الخُمس .. فإن صلاته غير صحيحة ؛ ذلك لأن خمس المال غير المخمّس أنما هو للسادة و لامام الزمان (عليه السلام) . و من الجائز أن تكون ثيابك التي ترتديها ، و دارك التي تسكنها .. قد اشتريتها بأموال غير مخمّسة .

أي : قد اشتريتها بأموال خُمسها يخص السادة و امام الزمان (عليه السلام) .. فتكون – بهذا – قد تصرّفت بها غاصباً لها . و ظل هذا الواعظ يتحدث تلك الليلة عن أمور من هذا القبيل.

و كنت قبلها قد عزمت – بيني و بين نفسي – أن أعمل بكل ما أتعرف عليه من أحكام الدين و أتعلمه . من حينها شرعت أتساءل عن واقع أموال مالك الأراضي التي نعمل فيها في قريتنا . و بعد تتبع يسير علمت أنه لا يدفع ما عليه من الخمس و الزكاة . في البداية ذكـّرته بهذه المسألة فلم يعرني أذناً صاغية . فكان أن قـرّرت ألا أظل في القرية ، و لا أعمل لحساب مالك الأراضي ، و أن أوّلي وجهي إلى مكان آخر . و لم يوافق أهلي و أقاربي – و خاصة أبي – على هذا القرار . و لكني لم أذعن لأحد ؛ خشية من الله . و في احدى الليالي خرجت فارّاً من القرية في الظلام .

و في قرية مجاورة .. اشتغلت – تمشية لأمور المعيشة – عاملاً و حطاباً .. لمدة ثلاث سنوات تقريباً ..و حدث في أحد الأيام أن عرف مالك الأراضي المذكور مكان عملي الجديد .. فأرسل إلى من يخبرني بأنه قد تاب إلى الله ، و أنه بدأ يدفع ما هو مستحق عليه من الخمس و الزكاة . و أوصى لي : أنه يود لو أعود إلى القرية لأكون إلى جوار أبي . عندها رضيت أن أعود إلى القرية . و هناك أعطاني المالك قطعة أرض ، رحت أزرعها و أعمل فيها نصف نهار كل يوم . أما غلة الزرع .. فكنت أقسم نصفها بين فقراء القرية ، و أعمد إلى إعانة كثير من المحتاجين و المعوزين .. و أود لو أكون دائماً في عون ذوي الفاقة و المحرومين.

كان يوماً صائفاً ذلك اليوم الذي خرجت فيه إلى المزرعة ، لأفصل التبن عن حب القمح . كنت أنتظر هبوب ريح مواتية ، لأقوم بالتذرية . أنتظرت طويلاً .. و لكن ما ثمة نسمة هواء. لقد كان الجو ساكناً تماماً . عندها قفلت راجعاً إلى القرية و في الطريق لقيني أحد فقراء القرية فقال لي : هذه السنة ما أعطيتني شيئاً من محصولك .. أنسيتـني ؟! قلت : كلا – لا قدر الله .. أنا لا أنسى الفقراء . و لكني لم أجمع المحصول حتى الآن . و أطمئنّ إلى أن حقك محفوظ.

سـُر الرجل ، و مضى تلقاء القرية .. بيد أن قلبي لم يقر له قرار ، فعدت من فوري إلى المزرعة ، و جمعت – بعناء كثير – مقداراً من القمح ، وحملته لهذا الرجل الفقير .. كما حملت معي كمية من العلف لأغنامي . كان الوقت على مشارف العصر لما حملت القمح و العلف ، و سرت نحو القرية.

و قبل أن أبلغ القرية وصلت إلى مزار أحد أبناء الأئمة . و هو المزار المعروف باسم – الأثنين و السبعين شخصاً – و قد دفن فيه أثنان من أبناء الأئمة (عليهم السلام) هما : جعفر و صالح . و جانب من هذا المزار يقال له : (الأربعون فتاة ).

جلست للاستراحة عند عتبة المزار ، و وضعت القمح و العلف جانباً.. و رحت أنظر إلى المدى البعيد . في ذلك الوقت لفت نظري رجلان شابان يتقدمات صوبي . أحدهما ذو قامة ممشوقة رائعة و له هيبة عجيبة و جلال . كانا يرتديان ثياباً عربية .. و قد أعتمر كل منهما عمامة خضراء . ثم لما وصلا إلى – و لم أكن قد رأيتهما من قبل – ناداني الرجل الجميل المهيب باسمي ، قائلاً : كربلائي كاظم .. تعال نذهب لنقرأ (الفاتحة) لابن الامام هذا . قلت له : يا سيد .. ذهبت إلى زيارته قبل قليل . و علىّ أن أعود الآن ، لأوصل العلف إلى الدار.

قال : حسناً جداً .. ضع هذا العلف إلى جوار الحائط ، و تعال معنا نقرأ ( الفاتحة) . طاوعته و مضيت إلى جهة السيد الثاني .. و تبعتها فدخلت المزار . في ذلك الوقت وجدتهما يقرءان شيئاً لم أتبينه . فبقيت واقفاً بمحاذاة الضريح صامتاً . لكني فوجئت إذ وقع نظري على كتيبة رأيتها في أطراف السقف . كانت ثمة كلمات من نور ! التفت إليّ الرجل الجليل المهيب و قال : كربلائي كاظم .. ما بالك لا تقرأ؟
قلت : يا سيد .. أنا لم أذهب إلى الملا. (1) لا أعرف القراءة و الكتابة .
فقال : و لكن عليك أن تقرأ . ثم دنا منـّي ، و وضع يده على صدري و ضغط عليه بقـوّة و قال : اقرأ الآن . قلت : ماذا أقرأ فقال : أقرأ هكذا :
(( بسم الله الرحمن الرحيم . إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ، ثم استوى على العرض يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ، و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ، ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين)

قرأت بقراءة هذا الرجل ، و قرأت بقرأءته أيضاً بعدها أ ٌخر. و كان ما يزال واضعاً يده على صدري .. حتى بلغت آخر الآية التاسعة و الخمسين ، حيث تختتم بهذه العبارة : ( أني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ).

عندها أردت أن أقول لهذا الرجل شيئاً ، فحولت وجهي إليه .. لكني لم أجد أحداً ، ولم أر أثراً لهذا الرجل الذي كان واضعاً يده على صدري إلى آخر لحظة . أما الكتيبة التي كانت في السقف .. فقد توارت كذلك .

لحظتها .. داخلني هول عجيب ، لم اشعر بعده بما جرى . إذ وقعت على الأرض فاقد الوعي.
كان الوقت مقارباً لطلوع الفجر لمّا أفقت . الفضاء ما يزال في ظلمته . لقد أنـُسيت

________________________
1- الملا : أي معلّم الصّبيان و يراد به في الاصطلاح : المكتب الذي كان الأولاد و البنات في الأجيال الماضية يتعلمون فيه مبادئ القراءة و الكتابة و قراءة القرآن الكريم . (المترجم)
2- سورة الأعراف : 54


تماماً ما كان حدث لي أمس . بقيت عدة دقائق كمن يستيقظ من النوم و لا يدري أين هو ! تطلعت حولي ، و أنا أحسّ بتعب شديد في بدني . وحين فطنت إلى أني كنت نائماً عند المزار أخذت أعنـّف نفسي و أوبـّخها : أما وراءك شغل و عمل ؟! ماذا تصنع هنا ؟!

و مهما يكن .. فقد نهضت و خرجت من المزار . ثم حملت العلف على كتفي . و في الطريق تنبهت إلى أني أعرف كلمات عربية كثيرة . و على حين غـّرة تذكرت ما حدث لي أمس ، و كيف كنت مع ذلك السيد الجليل المهيب .. فتملكني – مرة أخرى – فزع و رعب . و لكني مضيت هذه المرة حتى أنتهيت إلى البيت .

و في البيت طفق أهلي يعنـّفوني قائلين : أين كنت من أمس إلى الآن ؟! أين كنت في الليل ؟! و لكني لم أنطق بحرف ، و وضعت العلف أمام الأغنام . و حين طرّ الصباح حملت القمح إلى دار ذلك الرجل الفقير و سلمته أياه . ثم خففت مباشرة إلى إمام جماعة القرية الشيخ صابر الأراكي ، وقصصت عليه ما جرى لي من أوله إلى آخره . فقال لي امام الجماعة :اقرأ ما تعرف، فقرأت . فقال : هذه آيات قرآنية ! و ظل يختبر حفظي ساعات ، فكنت أجيب عن كل ما أراد . بعدها بدأ خبري يذيع شيئاً فشيئاً بين أهل القرية ، و أنا عاكف على عملي في الزراعة و تدبير شؤون المزرعة .. حتى كان يوم ذهبت فيه إلى قرية (شهاب) الواقعة قرب (ملاير) لانجاز عمل لي هناك . و في قرية (شهاب أبلغ أهاليها بخبري السيد اسماعيل العلوي البروجردي الذي كان من علماء (ملاير ) .. فجاء السيد اسماعيل لرؤيتي ، و اصطحبني – بعد الحاح منه و الحاف – إلى (ملاير) . وهناك حكى قضيتي بمحضر عدد شخصيات (ملاير ) ، فكانوا يختبروني في حفظ القرآن ، و قد تملكهم العجب . ثم كان رأي علماء (ملاير ) أن يشيعوا خبري في إيران كلها ، ليرى الناس كيف يمنّ الامام صاحب الزمان ( عليه السلام) على رجل أدّى واجباته باخلاص.

عـّرفوني- أول ما عـّرفوني – على آية الله العظمي السيد البروجردي .. فكان يمتحن حفظي مرات و مرات ، حتى أطمأن إلى أن امام العصر ( عليه السلام) قد جاد على حقاً بلطفه و منـّته .

و قابلت رجال الحوزة العلمية و كافة علماء قم الكبار ، فأقرّوا بهذه الحقيقة . ثم أخذني عدة من التجار ( وقد نسيت أسماءهم ) إلى النجف الأشرف و كربلاء المقدسة بهدف لقاء علمائها .. و صحبني في سفري هذه عدة أشخاص . و في النجف و كربلاء التقيت بالعلماء و المراجع هناك . و لا يحضرني الآن من أسمائهم غير اسم آية الله العظمى السيد الميلاني – الذي كان آنذاك في كربلاء .. و غير أسم آية الله العظمى السيد الحكيم في النجف ، فعاملوني بكثير من المودة . و كلـّهم قد أقر باعجاز الامام وليّ الأمر (أرواحنا فداه) و لمّا عدت إلى إيران .. أهتمّت بي جماعة (فدائيان اسلام)
و ها أنا ما أزال في قم أتحدث إليك . هذا هو مختصر قضيتي .

حكى لي كربلائي كاظم هذا كله .. فشكرت له ذلك . و كنت قد دونت قضيته إلى هذا الحد . و قد وفقت اليوم لأرويها للقــّراء الأعـّزاء .

ولي العصر (عليه السلام ) حاضر و ناظر

ولي العصر (عليه السلام ) حاضر و ناظر
معجزه على لسان الشيخ محمد تقي الهمداني مع قليل من التصرف
يـوم الاثـنـيـن الثـامن عشر من شهر صفر عام ( 1397 ه‍ ) اصيبت زوجتى بسكتة جزئيّة قعدت بها ، و ذلك على اثر وفاة ولديها بعد سقوطهما من جبال شميران ( فى طهران ) . و لم تجدها نفعا مراجعاتها الاطبّاء . حـتـى اذا كـانـت ليـلة الجـمـعة ( 22 ) صفر ( اى بعد اربعة ايام على مرض زوجتى ) . . ذهبت فى الساعة الحادية عـشرة الى غرفتى للاستراحة . فعنّ لى ان اتلو قبل الاستراحة آيات من القرآن الكريم ، و ادعية ليلة الجمعة ، و اتـوسّل بالامام بقيّة اللّه ( عليه السلام ) ، لشفاء زوجتى من دائها . . فلعلّ اللّه ( تعالى ) ياءذن للامام ( عليه السلام ) فى اغاثتنا . و سـبـب تـوجـّهـى مـبـاشـرة الى الامـام ( عـليه السلام ) دون ان اطلب حاجتى من اللّه ( تعالى ) انّ ابنتى الصغيرة فـاطـمـة كانت قد ارادت قبل مرض زوجتى بشهر تقريبا ان اقرا لها قصص الذين حصلوا على عنايات من الامام بقيّة اللّه ( روحى فداه ) و شملهم عطفه و احسانه . فوافقت على طلب هذه البنت ذات العشر سنين ، فكنت اقرا لها احيانا فى كتاب " النجم الثاقب " للميرزا النورىّ . مـن اجـل هـذا خـطـر لى هـذا التـسـاؤ ل : لمـاذا لا اتـوسـّل انـا كـذلك بـالامام ( عليه السلام ) و احظى بمرادى كما فـعـل مـئات الذيـن لقـوا الامـام و نـالوا مـبـتـغـاهـم ؟! و لهـذا - و كـمـا قـلت - رحـت فـى حدود الساعة الحادية عشرة اتوسّل بالامام ( عليه السلام ) بقلب مغموم و عينين باكيتين . . حتى نمت . و فى الساعة الرابعة بعد منتصف ليلة الجمعة افقت ، كما هى العادة ، من النوم . عندها لفت انتباهى صوت همهمة ياءتى من الغرفة السفلى التى ترقد فيها مريضتنا . ثمّ اخذ الصوت يقوى شيئا فشيئا و يشتدّ نزلت
الى الغرفة فوجدت ابنتى الكبرى - التى عادة ما تكون غافية فى مثل هذا الوقت - فى حالة عالية من النشاط و السرور . و ما ان وقع نظرها علىّ حتى قالت : ابشّرك يا بابا . . شفيت امّى ! قلت : و من شفاها ؟! قـالت : قـبـل دقـائق ايـقـظـتـنـا امـّى ( نـحـن الثـلاثـة ) مـن النـوم بـصـوت عـال و بـعـجـلة و اضـطراب ، و هى تقول : انهضن لتوديع الامام . . انهضن لتوديع الامام . و لانّها فكرت انّ الامام سوف يذهب قبل ان ننهض . . فقد قامت هى نفسها و ذهبت تتبع الامام الى باب الدار ، مع انّها لم تستطع ان تتحرك من مكانها منذ اربعة ايّام . و لانى كنت اتولّى رعايتها ( و الكلام مايزال للبنت الكبرى ) فقد مضيت خلفها بعد ان ايقظنى صوتها . و عجبت هـى - كـمـا عـجـبـت انـا - مـن هـذه القـدرة التـى جـاءتـهـا بـحـيـث اسـتـطـاعـت ان تهرول الى هذا المكان ! فى هذه اللحظة : ساءلتنى امّى : اانا نائمة ام يقظى ؟! قلت لها : ماما . . لقد عافاك . اين كان الامام لمّا كنت تناديننا لنودّع الامام ؟ و اذن لماذا لم نره نحن ؟! قـالت امـّى : كـنـت نـائمـة و انـا عـلى حـالى لااقـوى على پالحركة . . فشاهدت سيّدا شريفا عظيما رفيع الشاءن يـرتـدى زى اهـل العـلم . لم يـكـن شـابـا يـافـعـا و لاكـبـيـر السـنّ جـدّا . جـاء الىّ و قال : قومى ، لقد عافاك اللّه . قلت له : لا استطيع القيام . فقال لى بنبرة جادّة : عوفيت . . فقومى . و ازاء هـيـبـة الرجـل العـظـيـم ( الذى هـو يـقـيـنـا الامـام صـاحـب الزمـان ( عـليـه السـّلام )) قـمـت . و قـال لى الامـام : لاتـتـنـاولى الدواء بـعـد الا ن ، و لاتـبـكـى . و لما اراد الانصراف ايقظتكنّ لتودّعْنَه ، و لكنى اذ وجدتكنّ متثاقلات نهضت بنفسى ، و ذهبت وراءه
حتى باب الدار .
المـدهـش فـى الامـر انّ المـريـضـة العاجزة عن الحركة قد غدت منذ تلك اللحظة صحيحة سالمة قادرة على القيام و الحركة . المريضة التى قد اصاب عينها اليمنى غبش فى الرؤ ية على اثر السكتة . . قد عوفيت على الفور . المريضة التى لم تتناول طعاما على الاطلاق مدة اربعة ايام قد افصحت فى تلك اللحظة عن جوعها و طلبت ان يؤ تى لها بطعام . المـريـضـة التـى كـان قـد ذهـب رونـق وجـهـهـا . . عـاد اليـهـا رونـقـهـا فـى الحال . و اخيرا . . المريضة التى كانت تبكى على الدوام . . قد خرج من قبلها الهمّ و الغم منذ امرها الامام الاّ تبكى . و حتى مـرض الرومـاتـيـزم الذى كـان قد حلّ بها قبل خمس سنوات و لم يستطع الاطباء معالجة . . قد شفيت منه ايضا بلطف الامام بقيّة اللّه ( عليه السلام ) . و رويـت هـذه الحـادثـة للدكـتـور ( دانـشـى ) احـد الاطـبـاء الذيـن كـانـوا يـعـالجـونـهـا . قال : ما كان اصابها من السكتة لايمكن معالجته ابدا بالوسائل العاديّة ، فلابدّ انها عوفيت بوسيلة غير عادية . و تقدّما بالشكر ازاء هذه النعمة الكبرى . . اقمنا مجلس عزاء بمناسبة ( الايّام الفاطميّة).
و الحمدلله رب العالمين ، وصلى الله على محمد و آله المعصومين ، لا سيما امام العصر و ناموس الدهر قطب دائرة الامكان .. الحجة ابن الحسن العسكري (صلوات الله عليه).
################
و هنا نلاحظ أن هذا العالم الجليل قد خطر له خاطر التوسل بالامام صاحب الزمان (عليه السلام ) ليحظى بمراده ، تشبهاً بمئات الذين فازوا بلقاء الامام (عليه السلام) .. و ما ذاك إلا على أثر قراءته لابنته ذات العشر سنين بعض وقائع التشرف باللقاء ، مع أنه بلا شك لم يكن ذا إقبال كامل على هذه الوقائع حين كان يقرأ لابنته . و لهذا توسل بالامام ولي العصر(عليه السلام) فحضر (صلوات الله عليه ) إلى دار هذا الرجل و وهبه ما كان أراد.
على هذا – و في اعتقادي – فان أدنى فائدة في مطالعة مثل هذه الكتب أن يصير المرء إلى هذه الفكرة ، و هي أن عليه أن يتوسل بقوة الإمام (عليه السلام) ، و أن يعتقد بإيمان راسخ أن ولي العصر (عليه السلام ) حاضر و ناظر.

الغيبة الكبرى وتكذيب المشاهدة والقيادة المرجعيه

الغيبة الكبرى وتكذيب المشاهدة
بسم الله الرحمن الرحيم
يا عليّ بن محمدٍ السمّري؛ أعظم الله أجر إخوانك فيكَ، فأنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فأجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً.
وسيأتي إلى شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السّفياني والصيحة فهو كذّاب مفتر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم.

الغيبة والقيادة المرجعية
... أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك، ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا. فاعلم: أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح.
وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف (عليه السلام).
وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلحاب [شلماب].
وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا. فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع، وما آتانا الله خير مما آتاكم.
وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله وكذب الوقّاتون.
وأما قول من زعم أن الحسين لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال.
وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله.
وأما محمد بن عثمان العمري فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي.
وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي، فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكّه.
وأما ما وصلتنا به، فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر، وثمن المغنّية حرام.
وأما محمد بن شاذان بن نعيم، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فإنه ملعون وأصحابه ملعونون، فلا تجالس أهل مقالتهم، فاني منهم بريء، وآبائي (عليهم السلام) منهم براء.
وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنما يأكل النيران.
وأما الخمس فقط أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حلّ إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل قال:
(يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم).
إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه.
وإني أخرج - حين أخرج - ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحابوإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى.

الحضارة والتكتلات

الحضارة والتكتلات
الناس- في القرن العشرين - تمزقوا بفعل عاملين:
1- عامل الحضارة المادية، التي تصاعدت بقوة لتصنيع أكثر مظاهر الحياة حتى بهر وهجها الألباب، فافتتن بها قطاع كبير من الناس، ظانين أنها القمّة النهائية للحياة، فجرفتهم إلى الإلحاد بكل ما وراء المادة.
2- عامل التكتلات الدينية التي تصاعدت بقوة - في تنظيمات رجال الدين وفي تجمعات سياسية - حتى كادت تغطي ثلثي المجتمع، فتجاوب معها قطاع كبير من البشر، قائلين بأن الحضارة المادية لا تعبر إلا عن وجه واحد من وجهي الحياة.
هكذا تمزق الناس بفعل هذين العاملين، فمن كان قريباً من قواعد الحضارة المادية تمسك بمعطياتها واعتبر الدين مرحلة تجاوزها الإنسان، ومن كان قريباً من قواعد التكتلات الدينية تمسك بمعطياتها، واعتبر المادية وسيلة لتجاوز الحياة. أما الأكثرية الساحقة من الناس، فأخذوا بمعطيات الحضارة المادية، لتنعيم الحياة وتسهيلها، متسترين بغطاء رقيق من الإيمان بمجمل الأديان، من الاعتراف بوجود الله، وصحة كتبه وصدق رسله في التبشير بالحياة الآخرة، وأما التفاصيل والفروع فلا يجدون ما يلزمهم بها، وربما ? يجدون من يقنعهم، وقد ? يجدون وازعاً داخلياً يدفعهم إلى الاهتمام بها، وإهمال مباهج الحياة ومشاكلها، فيفضلون الاكتفاء من الدين بتزويد ما يردده المجتمع، وأكثر المجتمعات لا يردد من الدين إلا معطياته المتجاوبة مع المفاهيم المألوفة في الذهنيّة العامة.
وإذا عرفنا أن الذهنية العامة تؤمن بالمألوف بلا محاكمة، وترفض غير المألوف بلا مناقشة، عرفنا لماذا يكون إيمان الناس - غالباً - غطاءً رقيقاً يتسترون به.
من هنا نعرف السبب تهرب الناس - عادة - من الخوض في الحوار حول القضايا الفكرية من الأديان، وفي اتهامها بأنها قضايا ميتافيزيقيّة، أو بأنها قضايا إيمانيّة مجردة لا جدوى منها، وفي محاولة إنكار مردودها، مهما كان مردودها في حياتهم الفردية والاجتماعية.
ومن هذه القضايا:
1- قضية الروح وتطوراتها.
2- قضية الروحانيات غير المحسوسة كالملائكة والجن والشيطان.
3- قضية المعجزات وكيفية صدورها.
4- قضية حكومة الإنسان في سائر المخلوقات.
5- قضية المصلح المنتظر، التي تعبر عن معادلة الخير والشر.
وهذه قضايا طرحتها الأديان، ولها نتائجها الإيجابية الكبيرة.

قضية المصلح المنتظر(عليه السلام):
ولسنا في هذه المحاولة، إلا أمام القضية الأخيرة، وهي قضية المصلح المنتظر (عليه السلام)، التي تعبر عن إحدى المعادلات الثابتة، لأنها تتعلق بإحدى الغرائز المتأصلة في البر.
فالبشر - بمقتضى تركيبته الخاصة - لا يستقيم على طريقة، بغض النظر عن هوية الطريقة، فلا يبقى على الحق، ولا يدوم على الباطل، ولا يواصل الخير، ولا يستمر على الشر، ويكره الديمومة على شيء، مهما كانت حقيقة ذلك الشيء، وإنما يفضل التأرجح بين الأضداد، فالشجرة تدأب في منهجها ابتداءً من انطلاقها من النواة حتى نهايتها بلا تمزق بين المناهج، والجبل يواصل برنامجه منذ نشوئه حتى انتهاء عمره الطبيعي بلا تبعثر بين البرامج، والنجمة تنفّذ خطّتها من ميلادها حتى وفاتها بدون أدنى انزلاق، والنحلة تؤدي كل واجباتها حتى تسقط ضحية في مسيرة الواجب بلا تردد، ولكنه الإنسان، الذي لا يستطيع توظيب حياته في خط (.. فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين).
ولعل غريزة التأرجح بين الأضداد - أو غريزة التطور - وكّلت بالإنسان لتقليبه في المعادلات المختلفة، حتى تكشف كل مخابئه. وتنمي كل ما في أعماقه من نوايا وركائز، فتحقق بذلك هدفاً من أهداف الحياة. وهو تجربة الإنسان (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً لنفتنهم فيه). [سورة الجن: الآية 15 - 16].
فاستجابة لهذه الغريزة نجد الإنسان دائم الاندفاع بين أقطاب الإغراء الكثيرة المتنوعة، فهو يجب الشيء ويتدفق نحوه بلهفة حتى إذا تشبع منه أعرض عنه واتجه نحو ضده بشدة.
- مثلاً: إنه يجب السفر، فيواصله حتى يجوب الأقطار التي كان يفكر فيها، ثم يخلد إلى مدينة فلا يخرج منها مدى سنوات، ثم يبدأ من جديد رحلات واسعة.
- مثلاً: قد ترى إنساناً محافظاً ? تذكر له هفوات، ثم تجده ينفلت بعشوائية، وبعد حين يعاود سيرته الأولى.
- مثلاً: قد يظهر جيل محارب يتتبع الخلافات البسيطة، فيتمسك بها لإشعال الفتن والحروب، يعقبه جيل مسالم يتنازل عن أغلى ما لديه هروباً من المواجهة المسلحة.
- مثلاً: قد يقبل الناس على الأدب أو المسرح أو الرسم، حتى يقدّمونه على الخبز والماء، ثم يعرضون عنه حتى يفلس تجّاره.
وهكذا الدين، قد يظهر نبيّ أو إمام يحرك فطرة الناس في اتجاه الدين فيتهافتون على جوامعه ومجامعه باندفاع مخيف، ثم تتوتر الفطرة فيهم فيتجاهلون كل شيء منه بحيث يتحير دعاته. ويتساقطون تحت تيار الإلحاد، ولا يأخذ التيار مداه، حتى يبدأ بالانحسار، ويتوب الناس إلى رشدهم في اتجاه الدين من جديد، وكأنّه يطرح عليهم لأول مرة، ولم يطرح عليهم لأول مرة، وإنما هي دورة البشر الذي لا يطيق السير على خط واحد.
ولهذا كلما ظهر نبي أو إمام، واستطاع أن يعلي كلمة الدين - عرف أن ثورته تستهلك بعده، وأن خلفائه يعانون الثورة المعاكسة - فيبشرهم بأن الردة لن تكون القاضية، وأن المطاف الأخير سيكون لدينه. وأن الله سيظهر من يجدده، ويقود الناس إلى الصراط المستقيم.
فما من نبي إلا وبشر بمصلح عالي الصوت، شديد الوطء، يحرك التيار، وأمر الناس بالصبر عبر الخريف، وانتظار ذلك المصلح، والالتفات حوله إذا أدركوه.
لقد بشر نوح بإبراهيم، وبشر إبراهيم بموسى، وبشر موسى بعيسى، وبشر عيسى بمحمد، وبشر محمد بظهور المهدي ونزول المسيح، عليهم الصلاة والسلام.
فما ظهر دين إلا وطرح فكرة المصلح المنتظر، والديانات الحية اليوم كلها تهيئ لمصلح منتظر وإن اختلفت الأسماء، فاليهودية تبشر بالمسيح، والمسيحية تبشر بأحمد، والإسلام يبشر بالمهدي.

معطيات الفكرة:
وإذا أغمضنا النظر عن الأسماء نجد أن فكرة المصلح المنتظر تعني:
1- واقعية الأديان في استيعاب المستقبل، وفي استيعاب دورة البشر في الاتجاه نحو الدين والانحراف عنه، وفي الأخبار عن هذه الدورة.
2- تطمين المبشرين بأن لهم المطاف الأخير، حتى ? ييأسوا مهما ارتفعت درجة معاناتهم، ومهما استبدت الثورة المعاكسة بالأجواء.
3- تيئيس العاملين ضد الدين وضد المبشرين به، من نجاحهم في العمل ضد الدين، فإذا استطاعوا أن يهرجوا يوماً أو أياماً، فلا يعني ذلك أنهم أضحوا سادة الموقف، فالدين هو الخط الصحي العام، والانفلات فوضى لن تدوم.
4- تهيئة المؤمنين بالدين لاستقبال المصلح المنتظر، حتى يظلوا متأهبين له، وتأهبهم له يساوي إبقائهم موفوري القوى، وهذا يخدمهم قبل أن يخدم المصلح المنتظر، لأنهم ? يؤخذون على حين غرة من قبل أعدائهم، ولا يجمدهم الخمول، فهم - دائماً - تحت الإنذار، يراقبون الأجواء بلهفة وحذر.
5- تمهيد الأرضية الصالحة للمصلح المنتظر، حتى إذا انتفض لا يجد نفسه غريباً يبني ابتداءً من الحجر الأساس، وإنما يجد نفسه يرفع البناء على أساس من سبقه.
وهكذا كان، فلم يبعث نبي إلا وجد من ينتظره، ويسعى إليه من أقاصي الدنيا بهيام عميق. وهذه الظاهرة مما أوفدت أخوة الأنبياء، فكل واحد منهم كان مبشراً به من قبل السابقين عليه، فيصدق السابقين عليه ويبشر اللاحقين به، ويقوم بدور الحلقة الواحدة في المسلسل البعيد الطرفين. وليس الإمام المهدي المنتظر إلا حلقة في هذا المسلسل من المبشرين بهم والمبشرين بغيرهم.

المهدي في القرآن

المهدىّ فى القرآن
جلّ ما ورد بشأن المهدىّ (عج) فى القرآن الكريم، هى من دلالة باطن الآية الذى هو تأويلها دون تنزيلها.

قال رسول الله (ص): «ما فى القرآن آية إلاّ و لها ظهر و بطن»

سُئل الإمام ابوجعفر محمد بن على الباقر (ع) عن ذلك، فقال: «ظهرُها تنزيلها و بطنها تأويلها».

و البطن و التأويل، عبارة عن المفهوم العام المنتزع عن الآية، بعد إلغاء الخصوصيّات المكتنفة، لتصبح الآية صالحة للإنطباق على موارد مشابهة لمورد النزول، على مرّ الأيّام. الأمر الذى ضمن للقرآن بقاءه و شموله مع الخلود.

نعم ان للقرآن دلالة بحسب ظاهره، مما يرتبط و شأن نزول الآية. و دلالة اخرى عامة صالحة للانطباق على الموارد المشابهة حسبما يأتى من زمان. و بذلك أصبح القرآن حيّاً مع الأبد، و كان شفاء للناس و دواءً لأدوائهم فى مختلف الازمان و العصور.

* * *

فمن الآيات التى ورد تأويلا بشأن المهدى ـ (عج) ـ قوله تعالى:

(و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمَّة و نجعلهم الوارثين و نمكّن لهم فى الأرض)

ـــــــــــــــــــــ

هذه الآية نزلت بشأن قصّة فرعون و موسى و بنى اسرائيل.

و لكنّها عامة، إنها سنة الله جرت فى الخلق، أنّ الله تعالى سوف يأخذ بيد المستضعفين ليرفعهم على المستكبرين، و يورثهم ارضهم و ديارهم.

ففى حديث مفضَّل بن عُمَر، قال: سمعت ابا عبدالله (ع) يقول: انّ رسول الله (ص)نظر الى علىّ و الحسن و الحسين (ع) فبكى، و قال: أنتم المستضعفون بعدى.

قال المفضَّل: قلت: ما معنى ذلك؟ قال: معناه أنكم الأئمة بعدى ، انّ الله عزّوجلّ يقول: (و نريد ان نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين)قال (ع): فهذه الآية جارية فينا الى يوم القيامة.

و فى نهج البلاغة: «لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها. و تلا عقيب ذلك: (و نريد أن نمنّ على الذين استضعفوا فى الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين)

الشماس: مصدر شمس الفرس، اذا منع من ظهره.

و الضروس: الناقة السيّئة الخلق تعضّ حالبها، عطفا على ولدها.


قال ابن ابى الحديد: و الأمامية تزعم أن ذلك وعد منه بالإمام الغائب الذى يملك الارض فى آخر الزمان. و اصحابنا يقولون: إنه وعد بإمام يملك الأرض و يستولى على الممالك، و لا يلزم ان يكون موجوداً. بل يكفى فى صحة هذا الكلام أنه يخلق فى آخر الوقت.

قلت، فقد اتفقت الكلمة بأن فى الآية وعداً بإمام يملك الارض و يستولى على البلاد، قبل ان تقوم الساعة. إنما الإختلاف فى أنه موجود الآن أم سوف يولد لوقته. لكنه من ولد على (ع) على أىّ حال.

* * *

و فى سورة الأنبياء (21: 105):

(و لقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أنّ الأرض يرثها عبادى الصالحون)

و المراد من الزبور: زبور داود، جاء فى سورة النساء (4: 163) و الإسراء (17: 55): (و آتينا داود زبوراً).

و هو: كتاب المزامير، الوارد ضمن كتاب العهد القديم. جاء فيه:

«كُفّ عن الغضب و اترك السُّخط، و لا تَفَرْ لفعل الشّر، لان عاملى الشرّ يُقطعون» .

«و الذين ينتظرون الربّ هم يرثون الأرض» .

«اما الوُدَعاء فيرثون الأرض و يتلذّذون فى كثرة السلامة»

«لان المباركين منه يرثون الارض، و الملعونين منه يُقطعون» .

«الصدّيقون يرثون الأرض و يسكنونها الى الأبد» .



و هكذا جاء فى سورة النور (24: 55):

(وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنّهم فى الارض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكّننّ لهم دينهم الذى ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً)

و هذا الوعد بالتمكين فى الأرض بصورة مستوعبة و مستمرة مع الأبد، لم يتحقق للامّة المسلمة فى اى وقت، سوى أنه وعد حتم يتحقق بظهور المهدى المنتظر(عج).

* * *

و جاء بشأن عيسى بن مريم و رجوعه الى الدنيا فى آخر الزمان و اتباعه للامام المهدى(عج) قوله تعالى: (و لما ضُرِب ابن مريم مثلاً اذا قومُكَ منه يصدّون. و قالوا ءَآلهتنا خير أم هو ما ضربُوه لك إلاّ جَدلاً بل هم قوم خَصِمون. إن هو إلاّ عبد أنعمنا عليه و جعلناه مثلاً لبنى اسرائيل) ـ الى قوله : (و إنّه لعِلْمٌ للسّاعة، فلا تمترُنّ بها و اتّبعونِ هذا صراط مستقيم)

قال ابن حجر الهيثمى: قال مقاتل بن سليمان و من تبعه من المفسّرين: انّ هذه الآية نزلت فى المهدى (عج).

قال: و ستأتى الأحاديث المصرّحة بأنه من اهل بيت النبوى. ففى الآية دلالة على البركة فى نسل فاطمة و على (ع) و ان الله ليخرج منهما كثيراً طيّباً، و ان يجعل نسلهما مفاتيح الحكمة و معادن الرحمة. و سرّ ذلك انه (ص) اعاذها و ذرّيتها من الشيطان الرجيم، و دعا لعلى بمثل ذلك...

قال رسول الله (ص): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم و امامكم منكم»

قوله تعالى: (و انه لَعِلْمٌ للساعة...) اى من علائم الساعة، حيث نزوله فى آخر الزمان.

إشتياق الظهور عند مواليه (عج)


إشتياق الظهور عند موالية (عج)
انتظار ظهوره عند مواليه كله تشوق و تصبر و أمل نظموه نثراً و شعراً و تراثاً و سكبوه مداداً و دماءاً و دموعاً فهذه قصيدة للشاعر السيد حيدر الحلّي(ره) تعد من أشهر القصائد وأقواها ما ان يقرأوها الموالي إلا وجرت دموعه على خديه من لوعة الفراق وإشتياق اللقاء
أحد العلماء رأه الإمام المهدي روحي له الفداء في المنام وهو يبكي يقول بلغ السيد الحلي بأن قصيدته قد كسرت ظهري مو بيدي هذا

مات التصبر في انتظا رك أيها المحيي الشريعه

فأنهض فما أبقى التحملُ غيرَ أحشاء جزوعه

قد مزَّقت ثوبَ الأسى و شكت لِواصِلها القطيعه

فالسيف انّ به شفاء قُلوبِ شيعتك الوجيعه

فسواهُ منهم ليس يُنعِشُ هذه النفس الصريعه

طالت حبال عواتق فمتى تكون به قطيعه

كم ذا العقودُ و دينكم هُدِمت قواعده الرفيعه

تنعي الفروعُ أُصولَه و أصولُه تنعى فروعه

فيه تحكّم من أباح الـ يوم حوزته المنيعه

فأشحذ شبا عضب له الأ رواح مُذعنةٌ مُطيعه

أن يدعُها خفّت لدعـ وَته و ان ثقلت سريعه

و أطلب به بدم القتيل بكربلاء في خير شيعه

ماذا يُهيجك ان صبرت لوقعة الطف الفضيعه

أترى تجيء فجيعةٌ بأمضَّ من تلك الفجيعه

حيثُ الحسينُ على الثرى خيلُ العِدى طحنت ضُلوعه

قتلته آل اُميّة ظام الى جنب الشريعه

و رضيعُه بدم الوريد مخضَّبٌ فأطلب رضيعه

يا غيرةَ الله اهتفي بحميّة الدين المنيعه

و ضَبا انتقامِكِ جرّدي لطلا ذوي البغى التليعه

و دعى جنودَ الله تملأُ هذه الأرضَ الوسيعه

صورة عن الدولة المهدية المباركة

صورة عن الدولة المهدية المباركة
حتى يكون للوعد الالهي قيمة عظمى، بالإستناد إلى حقيقة و أهمية هذا الوعد، فلا بد حينها أن يتفوق هذا الأسناد على كل ما هو معروف من صيغ و أشكال و معادلات بشرية، و بالشكل الذي يضفي على هذه التجربة الموعودة كل صفات الكمال و النجاح لذا فإن إستعراضنا لملامح هذه الدولة العظمية سيتركز على العناوين الرئيسية لها لتحقيق حالة فهم عصري، و استيعاب واقعي لهذه الملامح.

فمن المؤكد أن الخير الوفير سيعم الأرض و أن الأرض (تظهر خيراتها) كما ورد في الحديث الشريف، و ستزداد غلة الدونم الواحد من الأرض أضعافاً مضاعفة و تنتشر زراعة أصناف نباتية متنوعة.

و كذا من الجوانب الأخرى حين يخرج الله على يديه ما تبقي من فروع العلم الأخرى حيث ورد (إن العلم سبع و عشرون باباً لم يفتح الله منها إلا بابان) فلنا أن نتخيل الكم الهائل من المعرفة و الإختراعات و التقنية التي ستحكم العالم بعد أن ينشرها الإمام المهدي و بالمقابل لنا تخيل حجم الرفاهية التي سيعيشها الناس في أمن و طيب و دعة و هدوء و عدل يستمد أسسه من الحكم بالقرآن الذي سيكون بلاشك دستور الدولة المهدية.

كما ستتعمق الصلة بالعوالم الأخرى و يزداد علم الإنسان بالفضاء مع نشر كنوز المعرفة القرآنية و فتح طلاسمها المغلقة إلا على أولياء الله الصالحين، و هذا ما سيجعل الإنسانية تدخل مرحلة أخرى من مراحل الإتصال و التعايش مع الفضاء أو مع كائنات أخرى لم يستطع العقل البشري الإحاطة بها علماً.

و هنا لابد من الاشارة الى أن الايمان الذي سيعمر قلوب الناس سيكون مدعاة لهم لأن يتعاملوا بالحسنى، فتنتهي الجرائم و تتحقق حالة الاكتفاء الذاتي من الماديات التي تغلق أبواب المنازعات الفردية و الجماعية...

انها صورة لدولة فاضلة تقوم على العدل الإلهي و تقوم بوعد الهي كدليل من الله تعالى على انه لم يترك الإنسانية دون صحبة حاضر غائب ننتفع به غائباً انتفاعنا بنور الشمس التي حجبتها الغيوم و حاضراً (ان شاء الله تعالى) نوراً يضىء لنا المدلهم من دروب الحياة.

فوائد وجود الامام الغائب (ع)

فوائد وجود الإمام الغائب (ع)

إن الله تعالى عين الإمام المهدي (ع) لكي يهدي الناس إلى الحق و لكن الناس أنفسهم هم الذين منعوه (ع) من تنفيذ هذه المهمة ، و متى ما كان الناس أنفسهم مستعدين للسير نحو الحكومة الإلهية العالمية الموحدة .

القائمة عل أساس من العدالة الواقعية و رعاية الحقائق و الواقع ، و تطبيق كل أحكام الإسلام بلا أي خوف أو تقية فإنه (ع) سيظهر .

إذن ليس هناك من جانب الله الرحيم تعالى أي تقصير في مجال العناية و الرحمة ، بل إن تقصير الناس أنفسهم هو الذي أوجب غيبة الإمام و تأخير ظهور هذه الحكومة العالمية ، و لكنا يجب أن نعلم أن فوائد وجود الإمام لا تنحصر بالإرشادات و الهداية الظاهرية أن كان بين الناس ، بل أن هناك فوائد أخرى من حيث (التكوين و التشريع ) تترتب على وجوده و إن كان غائباً عن الناس .

و إن أهم فوائد وجوده (ع) هو كونه ( واسطة في الفيض) و ذلك لأنه طبقاً للأدلة في مجال الإمامة ، توضح أن الرابطة بين العالم و الخالق تنقطع بعدم وجود الإمام ، و ذلك لأن تمام أنواع الفيض الإلهي أنما تنزل على الناس بواسطة الإمام و قد ورد مضمون الحديث التالي في أحاديث كثيرة وهو " لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت " ، نعم إن الإمام هو قلب عالم الوجود و قائد البشرية و مربيها و من هذه الزاوية فإن وجوده ظاهراً أو غائباً لا يفترقان بالنسبة إلى مركزه .

هذا و إن الهداية المعنوية للإمام (ع) بالنسبة للأفراد و اللائقين لذلك هي هداية متصلة و إن لم يستطيع هؤلاء أن يروه (ع) خصوصاً و أنه ورد أنه يتردد على مجالس الناس و محافلهم و إن لم يكونوا يعرفونه .

و على هذا فإن صيانة الإمام للدين و هداية الأناس هما أمران حاصلان بتمام المعنى في زمان الغيبة .

إن الإمام في الحقيقة كالشمس التي يغطيها السحاب تستمد الخلائق منها النور و الحرارة كان الجهال و العمى ينكرونها .

و هذا هو الإمام الصادق (ع) يجيب على سؤال عن كيفية استفادة الناس من الإمام الغائب بأنهم ينتفعون ، " كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب " .

و هنا لا بأس من ملاحظة ما يقول أحد المستشرقين بهذا الصدد " أعتقد أن مذهب التشيع هو المذهب الوحيد الذي احتفظ دائماً بوجود رابطة الهداية الإلهية بين الله و الخلق و جعل رابطة الولاية حية قائمة بشكل مستمر .

إن المذهب اليهودي ختم النبوة و هي رابطة واقعية بين الله و الإنسان بموسى و لم يذعن بعد ذلك بنبوة السيد المسيح و الرسول محمد (ص) و قطع تلك الرابطة و هكذا المسيحيون الذين ختموا النبوة بالمسيح و هكذا أهل السنة عندما قطعوا الرابطة بالرسول الأكرم (ص) و مع ختم النبوة به (ص) فهم لا يقيمون الترابط بين الخالق و المخلوق .

و لكن مذهب التشيع لوحده هو الذي يعتقد بختم بالرسول محمد (ص) و لكن الولاية و هي رابطة الهداية و التكميل ستبقى حية و إلى يوم القيامة . . نعم إن قيام هذه الحقيقة بين العالم الإنساني و الإلهي إلى الأبد إنما هو في مذهب التشيع و حسب ".

تذكير لازم

إن الاعتقاد بالإمام المهدي (ع) يعني أن ارتباط الناس بعالم الغيب لم ينقطع و إن من يعتقدون بذلك يجب أن يتذكروا الإمام دائماً و ينتظروا ظهور ذلك المصلح الغيبي العظيم و طبيعي أن انتظار الإمام المهدي (ع) لا يعني أن يتخلى المسلمون و الشيعة عن مسؤولياتهم و لا يقوموا بأي خطوة في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية و يكتفوا . بمجرد استظهاره (ع) بل الأمر على العكس من ذلك تماماً كما صرحوا به العلماء الكبار و باحثوا الشيعة منذ مئات السنين بأن المسلمين و الشيعة يجب عليهم -مهما كانت الظروف- أن يعملوا على نشر المعارف الإسلامية وإقرار الأحكام الشرعية و أن يصمدوا في وجه الظلم و الذنب و الانحراف و يعارضوه بما يمكنهم . وبعبارة أخرى فإن عليهم أن يعملوا على تهيئة الأرضية المساعدة لقيام حكومة العدل فيربوا الأفراد و المجتمع حتى يكون بنفسه مجتمعاً يسعى نحو الحق و إذا كان الظلم هو الحاكم في المجتمع فإن عليهم أن يعترضوا عليه و يعرضوا عنه ، إن على كل مسلم أن يضحي في سبيل الإيمان و الإسلام و أن يكون مستعداً في كل آن لاستقبال دعوة الإمام المهدي (ع) و ذلك بأن ينظم حياته بشكل لا يتناقض مع دعوته (ع) لكي يكون مؤهلاً للانخراط في سلك أتباعه و أنصاره و يقارع أعداءه بكل ثبات.

غيبة الإمام المهدي ( ع )

غيبة الإمام المهدي (ع)

كان النبي الأكرم (ص) يذكر الإمام الثاني عشر للأمة بين الحين و الآخر و قد ذكر الأئمة الأطهار بهذه المسألة دائماً . و قد كان لكل ذلك التذكير المتواصل بغيبة الإمام أثر في جعل كل إنسان معتقدٌ بالإمام المهدي معتقداً بطول عمره (ع) و هذه نماذج من الروايات الكثيرة الواردة في هذا المجال .

1-قال رسول (ص) : " و الذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعد معهود له مني حتى يقول أكثر الناس : ما لله في آل محمد حاجة و يشك آخرون في ولادته فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه و لا يجعل للشيطان عليه سبيلاً بشكه فيزيله عن ملتي و يخرجه من ديني فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل و أن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون " .

2-و قال أمير المؤمنين (ع) : " للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه ، و لم يقس قلبه بطول غيبته إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال : إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة فلذلك تخفى ولادته و يغيب شخصه " .

3-وروى محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله (ع) يقول : " إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها "

4-و يقول العلامة الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان متحدثاً عن أخبار الغيبة " وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في أيام السيدين الباقر و الصادق (ع) . . ومن جملة ثقات المحدثين و المصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراو وقد صنف كتاب المشيخة . . . ذكر فيه بعض ما أوردناه من أخبار الغيبة و منها ما عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له كان أبو جعفر يقول :" لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة و الأخرى قصيرة ، قال : فقال لي : نعم يا أبا بصير أحدهما أطول من الأخرى "

و يتوضح في هذا أن الرسول (ص) و الأئمة (ع) أخبروا بوجود الإمام المهدي (ع) أخبروا بأن الإعتقاد بوجوده يصحبه الإعتقاد بغيبته ، ينقل الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن السيد الحميري قوله : " كنت أقول بالغلو و أعتقد غيبة محمد بن علي -ابن حنيفة- قد ضللت في ذلك زمانا فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد و أنقذني به من النار و هداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علىّ و على جميع أهل زمانه و أنه الإمام الذي فرض الله طاعته و أوجب الإقتداء به فقلت له : يا بن رسول الله قد روى لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة و صحة كونها فأخبرني بمن تقع ؟ فقال عليه السلام : " إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي و هو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الأرض و صاحب الزمان . . "
لماذا كانت الغيبة ؟

إن وجود الإمام (ع) و وصي النبي (ص) أمر ضروري لجهات عديدة منها رفع الاختلافات ، و تفسير و توضيح القوانين الإلهية و الهداية المعنوية الباطنية و غير ذلك و أن الله تعالى برحمته جعل الإمام أمير المؤمنين (ع) و بعده أحد عشر إماماً من أبنائه واحداً بعد الآخر أوصياء للنبي (ص) و أئمة للأمة و من الواضح أن مهمة الإمام صاحب الزمان تشبه من حيث تمام جوانب الإمامة وظائف الأئمة الآخرين (ع) ، و أنه لو لم تكن هناك موانع فإن عليه أن يظهر للناس لكي يستفيدوا منه ، و إذا كان الأمر كذلك فلماذا كان غائباً منذ بدء حياته ؟

و عند الإجابة على هذا السؤال نقول :

إن الإعتقاد بحكمة الله تعالى يجعل من غير اللازم أساساً نعرف فلسفة الغيبة بعد أن ثبتت ثبوتاً قاطعاً لا شك فيه ، فلا يضرنا مطلقاً إذن أن لا نعرف علة الغيبة و ذلك شبيه بتلك الموارد الكثيرة التي لا نعرف وجه الحكمة فيها ، و إنما يكفينا فقط أن يثبت لدينا بالروايات الصحيحة و البراهين القوية أن الله العظيم أرسل حجته إلى الأمة و لكن كانت هناك بعض المصالح التي استدعت أن يبقى وراء ستار الغيبة و يبدو من بعض الروايات أن السبب الأصلي للغيبة سيعرف بعد ظهوره (ع) يقول : " إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها يرتاب منها كل مبطل فقلت له : و لم جعلت فداك ؟ قال : لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم قلت فما وجه الحكمة في غيبته ، قال : وجه الحكمة في غيبة وجه الحكمة في غياب من تقدم من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاة الخضر (ع) لموسى عليه السلام إلا بعد إفتراقهما ، يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله و غيب من غيب الله و متى علمنا أن الله عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة و إن كان وجهها غير منكشف " .

على أنه يمكننا أن نعد للغيبة بعض الفوائد التي قد تكون بعض الأخبار قد أشارت إليه و منها :

1-امتحان الأمة

فإن إحدى فوائد غيبة صاحب الزمان هي امتحان الناس ليظهروا على واقعهم فتنكشف الفئة التي استبطنت السوء و عدم الإيمان ، و تبدو ظاهرة متميزة عن الفئة التي تمكن الإيمان من أعماق قلوبها و راح يزداد و يتعمق بانتظارها للفرح و صبرها في الشدائد و اعتقادها بالغيب ، و بازدياد الإيمان ترتفع قدرها و تحصل على درجات عالية من الثواب .

يقول الإمام موسى بن جعفر (ع) :" إذا فقد الخامس من ولد السابع من الأئمة فالله في أديانكم لا يزيلنكم عنها أحد يا بني أنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به إنما هي محنة من الله امتحن الله بها خلقه " .

2- حفظه (ع) من القتل

إن ملاحظة تاريخ الأئمة (ع) و الجور الذي توجه إليهم من قبل خلفاء بني أمية و بني العباس ، ترشدنا إلى أن الإمام الثاني عشر لو كان ظاهراً فإنه سيقتل لا محاله كما قتل آباؤه من قبل ، وذلك لأن الأعداء و السلطة الجائره كان قد انتهى إلى سمعها أنه سيظهر شخص من أهل بيت النبي (ص) من ولد علي و فاطمة سلام الله عليهما ، يحطم عروش الظالمين المستبدين و أنه ابن الإمام العسكري (ع) ، لذا فإن العباسيين لم يدخروا وسعاً في تقصي أخبار هذا الإمام و لكن الله تعالى سلمه من كيدهم و خيب آمالهم .

ينقل زراره عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : " إن للقائم غيبة قبل ظهوره قلت : لم قال يخاف القتل " .

3-لئلا تكون في عنقه (ع) بيعة لأحد

فهناك بعض الروايات تؤكد هذا المعنى و أن غيبته (ع) حفظته من بيعة الظالمين و الحكام الغاصبين، و أن سيظهر حين يظهر و ليس لأحد بيعة في عنقه ، فيظهر الحق عياناً و بلا أي مداربه و يقر في الأرض حكم القسط و العدل .

يقول الإمام الصادق (ع) : " يقوم القائم و ليس لأحد في عنقه بيعة "

طول عمر الإمام المهدي (عج الله فرجه )

طول عمر الإمام المهدي (عج الله فرجه )

نحن نرى أن طول عمر الإنسان ليس من الأمور المستحيلة و ذلك لأنا نقرأ في القرآن الكريم أن نوحاً (ع) قد عمّر طويلاً إذ دامت مدة تبليغه فقط 950 سنة (15) .

و على أساس من التحقيقات العلمية التي قام بها علماء الطبيعة فقد ثبت إمكان كون عمر الإنسان طويلاً و حتى أن أكابر العلماء صمموا على تهيئة أنواع من الأغذية و الأدوية التي تساعد في إطالة العمر .

و ينقل المرحوم آية الله الصدر في كتابه ( المهدي ) مقالاً و رد في مجلة ( المقتطف ) العدد الثالث من سنة 1959 و ذلك كشاهد على المدعى السابق و نحن نذكر مقتبسات مما جاء فيه : " لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون أن كل الأنسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء إلى ما لا نهاية و أنه في الإمكان يبقى الإنسان حياً ألوفا من السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته و قولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان . . .

قال الأستاذ ديمندوبرل من أساتذة جامعة جونس هبكنس : أن كل الأجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الإنسان قد ثبت أن خلودها بالقوة صار أمراً مثبتاً بالامتحان أو مرجحاً ترجيحاً تاماً لطول ما عاشه حتى الآن . . . و الظاهر أن أول من امتحن ذلك في أجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور جاك لوب . . . ثم أثبت الدكتور (ودن لويس) و زوجته أنه يمكن وضع أجزاء خلوية من جسم جنين طائر في سائل ملحي فتبقى حية و توالت التجارب . . . حتى قام الدكتور الكسيس كارل و أثبت منها أن هذه الأجزاء لا تشيخ الحيوان الذي أُخذت منه بل تعيش أكثر مما يعيش هو عادة و قد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة 1912 ميلادية و لقي عقبات كثيرة و ثبت له :

1-أن هذه الأجزاء الخلوية تبقى حية ما لم يعرض لها عارض يميتها إما من قلة الغذاء أو من دخول بعض الميكروبات .

2-أنها لا تكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها و تتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان .

3-أنه يمكن قياس نموها و تكاثرها و معرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها .

4-لا تأثير للزمن أي أنها لا تشيخ و تضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها أقل أثر للشيخوخة تنمو و تتكاثر هذه السنة كما كانت تنمو و تتكاثر في السنة الماضية و ما قبلها من السنين .

و لكن لماذا يموت الإنسان ؟
و لماذا نرى سنينه محدودة لا تتجاوز المائة إلا نادراً جداً ؟
الجواب : أن أعضاء الإنسان كثيرة مختلفة و هي مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً محكماً حتى أن حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فإذا ضعف بعضها أو مات لسبب من الأسباب مات بموته سائر الأعضاء ناهيك بفتك الأمراض الميكروبية المختلفة و هذا مما يجعل متوسط العمر أقل جداً من سبعين و الثمانين . . . و غاية ، ثبت الآن العمر أقل جداً من سبعين أو الثمانين أو مائة أو أكثر بل لأن العوارض تثاب ببعض تموت كلها فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض أو يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين .
و على أساس هذا فإنه بعد أن علمنا بعدم المانع من طول العمر فلا إشكال إذن في أن يمن الله القادر تعالى بحفظه على إنسان ويبقيه آلاف السنين وذلك لأن تنظيم و تحقيق الشروط التي تؤدي إلى طول العمر ، كل ذلك بيده تعالى ن وهو تعالى ، يستطيع أن يوجد نظاماً حاكماً و مقدماً على النظام العادي و ذلك كما فعل في إجراء كل المعاجز ، فإن كل معاجز الأنبياء كصيرورة النار برداً على إبراهيم ، و تحول عصى موسى إلى ثعبان ، و إحياء الموتى لعيسى و غيرها كانت قد تمت على أساس خرق العادة المألوفة حيث أن الله تعالى أوجد نظاماً آخر بقدرته ما انتج حصول المعجزة ، و أن جميع المسلمين بل اليهود و النصارى ليصدقون بتلك المعاجز ، فلا يبقى ة الحالة هذه أي إشكال في طول عمر الإمام المهدي (ع) وذلك لأن الحكم بعد إمكانه لا يمكن قبوله بعد تصريح القرآن الكريم بطول عمر نوح (ع) و رؤية نتائج المكتشفات العلمية الحديثة ، وإذا قيل لنا أن هذا الأمر ممكن لكنه يجري على خلاف النظام المألوف وجب أن نقول في الجواب قلنا لا مانع في أن يكون طول عمر الإمام خلافاً للمألوف المعتاد بعد أن كانت كل معاجز الأنبياء تجري هذا المجرى بقدرة الله تعالى و وقوع المعاجز لا يحصل في ذهنه أي إشكال في مسألة طول عمر الإمام (ع) .

المصلح الغيبي عند الشيعة

المصلح الغيبي عند الشيعة

لدينا أكثر من ثلاثة آلاف حديث (3000) عن النبي (ص) و الأئمة الطاهرين حول الإمام المهدي (ع) و يستفاد منها

أن الإمام المهدي (ع) هو التاسع من ولد الحسين (ع) وأن أباه هو الإمام الحسن العسكري (ع) و أن أمه هي " نرجس خاتون " و اسمه اسم نبي آخر الزمان (ص) و و طفولته و هو حي إلى اليوم و سيبقى إلى ما شاء الله و أنه سيظهر في يوم من الأيام و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد ما ملئت ظلماً و جوراً و أنه غائبٌ عن الناس لحكم في ذلك و انه ما أن يظهر بطلعته المباركة ، حتى يتكي على جدار الكعبة و يعلن ذلك ، و يدعو أتباعه و عددهم 313 شخصاً فيلبون نداءه و يحيطون به ، و ينزل عيسى من السماء و يصلي جماعه خلفه،و سينشر أحكام الإسلام في أرجاء العالم و تصير الأرض كالفردوس.

إن الأحاديث التي نقلها علماء الشيعة و السنة في الأمور المختلفة التي تطوف حول الإمام العظيم (ع) كثيرة جداً و قد ذكرت في كتب مثل " بحار الأنوار ، ومنتخب الأثر " وغيرها ونحن هنا نعطي إحصائية لبعضها كما ذكرها صاحب منتخب الأثر في كتابه ، ثم نعقب ذلك بذكر بعض متون تلك الأحاديث :

موضوع الرواية
عدد الأحاديث

التي تصرح بأن الأئمة اثنا عشر أولهم علي (ع) و آخرهم المهدي(ع)
58

التي تبشر بظهور المهدي
657

التي تصرح بأن المهدي من أهل البيت (ع)
389

التي تصرح بأن اسمه و كنيته هما كاسم النبي(ص) و كنيته
48

التي تصرح بأنه من أبناء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)
214

التي تصرح بأنه من أبناء الزهراء (ع)
192

التي تصرح بأنه من أبناء الحسين (ع)
185

التي تصرح بأنه التاسع من أبناء الحسين (ع)
148

التي تصرح بأنه من أبناء الإمام زين العابدين (ع)
185

التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الباقر (ع)
103

التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الصادق (ع)
103

التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الكاظم (ع)
101

التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الرضا (ع)
95

التي تصرح بأنه من أبناء الإمام الجواد (ع)
90

التي تصرح بأنه من أبناء الهادي (ع)
90

التي تصرح بأنه ابن الإمام العسكري (ع)
146

التي تصرح بأن اسم أبيه هو الحسن (ع)
147

التي تقول بأنه سيملأ العالم عدلاً
123

التي تقول بأن غيبته طويلة الأمد
91

التي تبين طول عمره الشريف (ع)
318

التي تقول بأن دين الإسلام سيكون عالمياً على يديه
47

التي تقول أنه الإمام الثاني عشر و أنه الإمام الأخير
136

مجموع الأحاديث
3666


مع ملاحظة الأرقام التي ذكرناها و غير ذلك الأحاديث يتوضح تماماً أن الروايات الواردة في هذا المجال قد تجاوزت حد التواتر بلا شك و أنه يقل ورود مثل هذا العدد من الروايات في موضوع إسلامي آخر و على هذا فيجب على كل مؤمن بالإسلام و النبي الأكرم أن يؤمن إيماناً راسخاً بوجود المهدي الموعود الذي يعيش الآن غائباً عن عيون الناس

الجمعة، 14 نوفمبر 2008

الملائكة والمؤمنين في زمن القائم
عجل الله فرجه
عن دلائل الإمامة:عن أبي الحسن الرضا(ع):قال
((إذا قام القائم(ع)يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين والجلوس معهم في مجالسهم،فإذا أراد واحد حاجة،أرسل القائم(ع) من بعض الملائكة من يحمله،فيحمله الملك حتى يأتي القائم(ع) فيقضي حاجته ويردّه،ومن المؤمنين من يسير في السحاب،ومنهم من يطير مع الملائكة،ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً،ومنهم من يسبق الملائكة، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة،ومنهم مَن يصيّره القائم(ع) قاضياً بين مائة ألف من الملائكة)).
وفي بيان الأئمة(ع)قال:
دلّ هذا الخبر على ما يمنح الله به المؤمنين من الكرامة في زمن الإمام القائم(ع)،وما أعدّ لهم من احترام وفضيلة من جهات متعددة:
الأولى: هو أمر الله(تعالى) الملائكة بالسلام على المؤمنين،وأمر الله(تعالى)فوق الأوامر،فالأمر الصادر من الملك العلاّم بالتحية والسلام،أمر بالاحترام للمؤمنين في ذلك الزمان،وتلك الأيام.
الثانية:أمر الله(تعالى) الملائكة بالدخول والجلوس مع المؤمنين في مجالسهم،وهذا مما يكشف عن أمر الله(تعالى)باحترامهم وكرامتهم على الله(تعالى).
الثالثة:حملهم إلى قضاء حوائجهم،فمن كانت عنده مهمة عند الإمام القائم(ع)،وأراد الوصول إليه،والتشرّف بحضرته ومواجهته،أرسل الإمام إليه من يحمله من الملائكة،فيحمله الملك إلى الإمام القائم(ع)،وبعد قضاء مهمته يرجعه إلى أهله.
الرابعة:أن يذلّل الله(تعالى) لهم السحاب فإذا أرادوا السفر إلى مكان بعيد،ركبوا السحاب وساروا إلى ذلك المكان.
الخامسة:أنّ يمنحهم درجة رفيعة،ويهب لهم قوة عظيمة،وقدرة على الطيران في الجو،فيطيرون ومع الملائكة حيثما يشاؤون.
السادسة:أن تكون الملائكة مرافقين لهم،يمشون معهم مشياً احتراماً لهم وإكراماً.
السابعة:أن يسبقوا الملائكة،ويتقدموا عليهم،أو يسيروا بسرعة لا يدركوهم،ويسبقوهم في السير.
الثامنة:أن يتحاكم الملائكة عند المؤمنين والظاهر أنّ هذه الفضيلة والكرامة للعلماء من الشيعة،لأن العالم هو الذي يكون له لباقة،لأن يكون قاضياً أو حاكماً يتحاكم إليه الملائكة،ويحكم بين مائة ألف منهم.
ثم قال:والمؤمن أكرم على الله من الملائكة:وإنّما صار المؤمن أكرم من الملائكة،وأفضل منهم عند الله(تعالى)،لأنه قد غلّب عقله على شهوته،لأنه قد ورد في الحديث مما مضمونه:إنّ الله(تعالى) ركّب عقلاً مجرداً في الملائكة بلا شهوة،وركّب في الإنسان عقلاً وشهوة،وركّب في الحيوان شهوة بلا عقل،فمن أطاع من بني الإنسان وغلّبه على شهوته بإطاعته الله(تعالى)،فهو أفضل من الملائكة،ومن أطاع شهوته منهم وغلّبها على عقله فهو أقل من الحيوان.

فبترجيح جانب العقل على الشهوة، صار المؤمن أكرم على الله من الملائكة،وهذه الكرامة والاحترام والفضيلة والإكرام،في زمن الإمام كلها لأجل قيام القائم(ع)،وظهور عدله،ونوره بين الأنام،(عليه وعلى آبائه أفضل التحية والسلام).
وصلى الله على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
جعلنا الله وإياكم من المؤمنين الذين تشملهم هذه الكرامات
بحق قائم آل محمد

....نسألكم الدعاء............ الإكسير....

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

قصة ام المهدي نرجس المعظمة

أم الــمــهــدي نــرجــــــــس الــمــعـظـمـة
خيرة الإماء نرجس أو سوسن أو صيقل أو مليكة أو ريحانة أو حديثة،سمّت نفسها نرجس اسم أمة بعد أن كانت مسماة باسم سيدات بلاط ملك الروم.
قصة انتقالها إلى بيت الإمام أبي الحسن الهادي(ع): روى بشر بن سليمان النخاس مولى الإمام أبي الحسن الهادي.. فكتب (أي الإمام الهادي)كتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية وطبع عليه بخاتمه وأخرج شنتقة (صرة)صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً فقال خذها وتوجه بها إلى بغداد.. عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا.فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس فاستوفاه مني وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولاها(ع)من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدّها وتطبّقه على جفنها وتمسحه على بدنها فقلت تعجّباً منها أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟فقالت:أيها العجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد أنبياء:أعرني سمعك وفرّغ قلبك:أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون.
أنبئك العجب العجيب أنّ جدي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشر سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسّيسين..وأبرز من بهو ملكه عرضاً مصنوعاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الأنجيل حينها تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض،وتقوضت الأعمدة فانهارت إلى القرار وخرّ الصاعد من العرش مغشياً عليه فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم فقال كبيرهم لجّدي أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني،فتطيّر جدي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة أقيموا هذه الأعمدة وأحضروا أخا هذا المدبر العاثر المنكوس جده(أي حظه) لأِزوّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعود فلما فعلوا ذلك حدث ما حدث على الأول وتفرق الناس وقام جدي قيصر مغتماً وأرخيت الستور .
فرأيت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الذي كان جدّي نصب فيه عرشه فدخل عليهم محمد(ص)مع فتية وعدة من بنيه فتقدم المسيح إليه فاعتنقه فقال له محمد(ص)يا روح الله إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمد ابن صاحب هذا فنظر المسيح إلى شمعون وقال له أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول الله(ص)قال قد فعلت،فصعد ذلك المنبر وخطب محمد(ص)وزوّجني من ابنه وشهد المسيح(ع)وشهد أبناء محمد(ص)والحواريون.
فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأن سيدة النساء (الزهراء)قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي هذه سيدة نساء العالمين وأم زوجي أبي محمد فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمد من زيارتي فقالت لي سيدة نساء:إنّ ابني لا يزورك وأنت مشركة بالله وعلى مذهب النصارى وهذه أختي مريم تبرأ إلى الله من دينك فإن ملْتي إلى رضا الله(عزّ وجلّ) ورضا المسيح و مريم عنك وزيارة أبي محمد إياك فتقولي أشهد أن لا إله إلا الله وانّ محمداَ رسول الله(ص) فلما تكلّمت بهذه الكلمة ضمّتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي وقالت الآن توقعي زيارة أبي محمد إياك فإني منفذته إليك..
فقالت أخبرني أبو محمد أن جدّك سيسير جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا ثم يتبعهم فعليك باللحاق بهم في زي الخدم مع عدة من الوصائف.. إلى قال:
فقال أبو الحسن الهادي،يا كافور ادع لي أختي حكيمة فلما دخلت عليه قال لها هاهية فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها كثيراً فقال لها أبو الحسن(ع) يا بنت رسول الله(ص) خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن فإنّها زوجة أبي محمد وأم القائم(عليه السلام).

الثلاثاء، 4 نوفمبر 2008

أسرار أباصالح المهدي عجل الله فرجه الشريف

اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
روى الحسن بن حمدان عن حليمة بنت محمد بن علي الجواد قالت : كان مولد القائم ليلة النصف من شعبان سنة 250 وأمه نرجس بنت ملك الروم فقالت حليمة : فلما وضعته سجد ، وإذا على عضده مكتوب بالنور : جاء الحق وزهق الباطل ، قال : فجئت به إلى الحسن عليه السلام فمسح يده الشريفة على وجهه وقال : تكلم يا حجة الله وبقية الأنبياء ، وخاتم الأوصياء ، وصاحب الكرة البيضاء ، والمصباح من البحر العميق الشديد الضياء ، تكلم يا خليفة الأتقياء ، ونور الأوصياء . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أن عليا ولي الله ، ثم عد الأوصياء ، فقال له الحسن عليه السلام : إقرأ ما نزل على الأنبياء ، فابتدأ بصحف إبراهيم فقرأها بالسريانية ، ثم قرأ كتاب نوح وإدريس ، وكتاب صالح ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وفرقان محمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين ، ثم قص قصص الأنبياء إلى عهده عليه السلام.
هذا بقية الله في خلقه ، ووجه الله في عباده ، ووديعته المستحفظة ، وكلمته الباقية ، وهذا بقية أغصان شجرة طوبى ، هذا القاف ، وسدرة المنتهى ، هذا ريحان جنة المأوى ، هذا خليفة الأبرار ، هذا بقية الأطهار ، هذا خازن الأسرار ، هذا منتهى الأدوار ، هذا ابن التسمية البيضاء ، والوحدانية الكبرى ، وحجاب الله الأعظم الأعلى ، هذا السبب المتصل من الأرض إلى السماء ، هذا الوجه الذي يتوجه الأولياء ، هذا الولي الذي بيمنه رزق الورى ، وببقائه بقيت الدنيا ، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، هذا الحجة من الحجج ، هذا نسخة الوجود والموجود ، هذا غوث المؤمنين ، وخاتم الوصيين وبقية النبيين ، ومستودع علم الأولين والآخرين ، هذا خاتم الألقاب الذاتية ، والأشخاص المحمدية ، والعترة الهاشمية ، هذا البقية من النور القويم ، والنبأ العظيم ، والصراط المستقيم ، خلفاء النبي الكريم ، وأبناء الرؤوف الرحيم ، وأمناء العلي العظيم ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم .
هم خلفاء أحمد والنقباء الحكماء أئمة اثنا عشر أشرف من تحت السماء تعمى العيون عنهم وهم جلاء للعماء هذا الخليفة الوارث لأسرة النبوة والإمامة ، والخلافة والولاية ، والسلطنة ، والعصمة والحكمة ، هذا الخلف من الآيات الباهرات ، والنجوم الزاهرات ، الذين لهم الحكم على الموجودات ، والتصرف في الكائنات ، والاطلاع على الغيوب ، والعلم بما في الضمائر والقلوب ، والإحاطة بالمخلوقات والشهادة لسائر البريات ، شهد لهم بذلك الذكر المبين ، بأنهم سادة الأولين والآخرين ، والولاة على السماوات والأرضين ، وإن الذي وصل إلى الأنبياء قطرة من بحرهم ، ولمعة من نورهم ، وذرة من سرهم ، وذلك لأن الذي كان عند الأنبياء من الاسم الأعظم حرفان لا غير ، وكانوا يفعلون بهما العجائب ، وعند آل محمد سبعون حرفا ، وعندهم ما عند الأنبياء أيضا مضاف إليه ، فالكل منهم وعنهم

وإليه الإشارة بقوله حكاية عن موسى عليه السلام : ( وكتبنا له في الألواح من كل شئ ) ومن هنا للتبعيض ، وقال حكاية عن عيسى عليه السلام : ليبين لهم الذي يختلفون فيه ، وقال حكاية عن خاتم النبيين : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ ، وقوله : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ، فهم اللوح الحاوي لكل شئ ، والكتاب المبين الجامع لكل شئ ، لأن كل ما سطر في اللوح صار إليهم ، دليله قوله : ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ). والإمام المبين هو اللوح المحفوظ المتقدم في الوجود على سائر الموجودات ، وسماه الإمام لأنه فوق الكل وإمام الكل ، دليله قوله : ( أول ما خلق الله اللوح المحفوظ ) ونور محمد متقدم في علم الغيب على الكل وعدل على الكل ، وعنه بدأ الكل ولأجله خلق الكل ، فاللوح المحفوظ هو الإمام ، وإليه الإشارة بقوله : وكل شئ أحصيناه في إمام مبين فالكتاب المبين هو الإمام ، وإمام الحق علي ، فعلي هو الكتاب المبين ، وإليه الإشارة بما روي عن محمد الباقر عليه السلام أنه لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا : يا رسول الله من الكتاب المبين أهو التوراة ؟ قال : لا . قالا : فهو الإنجيل ؟ قال : لا . قالا : فهو القرآن ؟ قال : لا . فأقبل أمير المؤمنين عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : هذا هو الإمام المبين الذي أحصى الله فيه علم كل شئ وإن كبر عليك أنه هو الكتاب المبين ، فعنده علم الكتاب وإليه الإشارة بقوله : ( ومن عنده علم الكتاب ) فعلى الوجهين عنده علم الغيب من غير ريب . أقول : يؤيد هذا ما رواه ابن عباس من كتاب المقامات قال : أنزل الله على نبيه كتابا من قبل أن يأتيه الموت عليه خواتيم من ذهب ، فقال له : ادفعه إلى النجيب من أهلك علي بن أبي طالب عليه السلام ومره أن يفك خاتما منه ويعمل بما فيه ثم دفعه إلى الحسين عليه السلام ففك خاتما منه فوجد فيه : اخرج بقومك إلى الشهادة ، واشتر نفسك لله ، ثم دفعه إلى علي ابنه عليه السلام فوجد فيه : اصمت والزم بيتك واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل ثم دفعه إلى محمد ابنه عليه السلام ففك خاتما فوجد فيه : حدث الناس وافتهم ، ولا تخافن إلا الله فلا سبيل لأحد عليك ، ففعل ، ثم دفعه إلى ابنه جعفر ففك خاتما فوجد فيه : حدث الناس وافتهم وانشر علوم آبائك وصدق أهل بيتك ، ولا تخافن أحدا إلا الله هكذا حتى مضى ، ثم صار إلى القائم عليه السلام. يشهد بصحة هذا الإيراد حديث اللوح الذي رواه جابر عن الزهراء عليها السلام وهو لوح أهداه الله إلى رسوله فيه اسمه واسم الخلفاء من بعده نسخته : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هذا كتاب من الله العزيز الحكيم إلى محمد نبيه وسفيره نزل به الروح الأمين من رب العالمين ، عظم يا محمد أمري ، واشكر نعمائي ، إنني أنا الله لا إله إلا أنا فمن رجا غير فضلي ، وخاف غير عدلي ، عذبته عذابا أليما فإياي فاعبد ، علي فتوكل ، إنني لم أبعث نبيا قط فأكملت أيامه إلا جعلت له وصيا وإني فضلتك على الأنبياء وجعلت لك عليا وصيا ، وكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين ، وجعلت حسنا معدن وحيي بعد أبيه ، وجعلت حسينا خازن وحيي وأكرمته بالشهادة ، وأعطيته مواريث الأنبياء فهو سيد الشهداء ، وجعلت كلمتي الباقية في عقبه أخرج منه تسعة أبرار هداة أطهار منهم سيد العابدين وزين أوليائي ، ثم ابنه محمد شبيه جده المحمود الباقر لعلمي ، هلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه كالراد علي ، حق القول مني أن أهيج بعده فتنة عمياء ، من جحد وليا من أوليائي فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية من كتابي فقد افترى علي ، ويل للجاحدين فضل موسى عبدي وحبيبي ، وعلي ابنه وليي وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة يقتله عفريت مريد ، حق القول مني لأقرن عينه بمحمد ابنه موضع سري ، ومعدن علمي ، وأختم بالسعادة لابنه علي الشاهد على خلقي ، أخرج منه خازن علمي الحسن الداعي إلى سبيلي ، وأكمل ديني بابنه زكي العالمين عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ، يذل أولياؤه في غيبته ويتهادون برؤوسهم إلى الترك والديلم ، ويصبغ الأرض بدمائهم ويكونون خائفين أولئك أوليائي حقا ، بكم أكشف الزلازل والبلاء ، ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون )